Comments System

LightBlog

الشيخ علي محمود .. إمام القراء من المنشدين

بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة الأحباب متابعي شبكة عباقرة التلاوة
يُسعدنا أن نقدم لكم هذا الموضوع المميز جدًا


علي محمود .. إمام القراء من المنشدين بقلم: نبيل حنفى محمود
لا يختلف أحد من النقاد أو المستمعين حول مكانة الشيخ علي محمود في دولة التلاوة خلال عصرها الذهبي الأخير، وهي مكانة يعبر عنها تفّرد تلاواته التي أظهرت محاسن صوته من روعة الجهارة والتفخيم جنبا إلي جنب مع عذوبة النعومة واللين والمخافتة، ومما يدل أيضا على مكانة الشيخ على محمود في دولة التلاوة ما لأذان الصلاة المسجل بصوته من تأثير في نفوس سامعيه حتى أيامنا هذه، ويتبقى من أسباب ما تحقق للشيخ من مكانة في دولة التلاوة أهمها وهو إتقانه للتلحين وتبحره في دراسة النغمات والمقامات، كل ذلك وغيره كثير أتاح للشيخ الظهور في عصر زها بنوابغ القارئين، حتى عدة الناس إماما للقراء من المنشدين في عصره وكل العصور. - في جوار الحسين: ولد الشيخ على محمود بدرب الحجازي في كفر الزغاري من قسم الجمالية المجاور لمسجد الإمام الحسين (رضي الله عنه) والقريب من جامع الأزهر الشريف، جاء ميلاد الشيخ في عام 1880م كما ذكر بعض من تحدثوا عنه عقب وفاته (د.محمد صلاح الدين بك: الشيخ على محمود. فقيد الفن والموسيقى، الراديو المصري، العدد 466 والعدد 467، 19- 2- 1944م و 26- 2- 1944م) ، بينما قال بعض من ترجموا للشيخ بعد أكثر من نصف قرن من رحيله بغير ذلك، فقد ذكر الكاتب الصحفي شكري القاضي أن تاريخ ميلاد الشيخ يعود إلي عام 1878م (شكري القاضي: عباقرة التلاوة، ص 23)، وهو ما إتفق فيه بعد ذلك معه د. خيري محمد عامر( د. خيري محمد عامر: مشايخ في محراب الفن، ص 89- 95). وأيا ما كان الأمر، فقد إتفق الجميع على أن الشيخ قد ولد مبصرا، وعندما فقد بصره في مرحلة الطفولة، إتجه إلي حفظ القرآن في مكتب الشيخ أبوهاشم الشبراوي الملحق بمسجد الأشرف أينال المعرف بمسجد أم الغلام، ثم أخذ علوم القرآن وأحكام التجويد عن الشيخ مبروك حسنين في الأزهر الشريف، وتلقى مبادئ الفقه على يد الشيخ عبدالقادر المازني (د. محمد صلاح الدين بك: الجزء الأول من مقال «الشيخ على محمود. فقيد الفن والموسيقى»، الراديو المصري، العدد 466، 19- 2- 1944م، ص 5 وص 10) لتكتمل للفتى على محمود الذي دخل في طور الشباب عناصر التكوين اللازمة للمشتغلين بالعلوم أو الفنون الدينية. آنس الفتى على محمود في نفسه ميلا لقراءة القرآن، ولما كان صوته جميلا وإلمامه بقواعد التجويد عظيما، فقد أقر قارئا تحت الثريا الكبرى بمسجد الإمام الحسين، ولينطلق صوته بكل العذوبة والقوة بآيات القرآن الكريم في أرجاء المسجد الحسيني، فذاع صيته وتوهجت شهرته وتحلق حوله رواد المسجد في زمن شهد فحول القراء من أمثال الشيوخ حسين الصواف وأحمد ندا وحنفي برعي وحسن المناخلي ومحمد القهاوي ومنصور بدّار. ويكفي للتدليل على قيمة هؤلاء الكبار من القراء أن نقف على رأي أحد الكتاب من معاصريهم في واحد منهم، فقد تحدث الشيخ عبد العزيز البشري عما أضافه الشيخ حنفي برعي لفن التلاوة فقال: «وإذا كان فن التنغيم بآي القرآن الكريم قد بلغ اليوم أوْجه، فلا شك في أن نهضته الحاضرة مدينة للمرحوم الشيخ حنفي برعي، فهو الذي إستن هذه الطريقة الحديثة، فكانت جمهرة القارئين له فيها تبعاً» (عبدالعزيز البشري: المختار، الجزء الثاني، ص 44). كان ظهور الشيخ على محمود وإنطلاق شعبيته في وجود أمثال هؤلاء القراء، لمما يعطي القارئ الذي لم يعاصر أيام تألق شهرة الشيخ فكرة واضحة عما كان عليه صوت الرجل من قوة وحيوية، وعما أحدثه في فن التلاوة من تجديد إجتذب إليه القلوب قبل الآذان. - التحول للإنشاد: تأتي أهمية الإنشاد الديني من أنه يعد بمثابة حلقة الوصل بين القراءات القرآنية والغناء العربي المتقن كما أرسى في عصور إزدهاره، لذلك لقى الإنشاد الديني إهتماما كبيرا من القراء والمطربين منذ مطلع دولة التلاوة الحديثة. والمعنى هنا بمطلع دولة التلاوة الحديثة سنوات العقد الأخير من القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين، ولعل السبب في ذلك يرجع إلي أن جميع قراء تلك الفترة ومطربيها تلقوا نوعا واحدا من التعليم، وهو التعليم الديني الذي يشمل التوجه أولا إلي الكتّاب لحفظ القرآن أو أجزاء منه، ثم يعقب ذلك دراسة علوم الدين والفقه في الأزهر أو بعض المعاهد الدينية في مدن الأقاليم الكبرى كالمسجد الأحمدي بمدينة طنطا. فكان من الطبيعي أن يسبق لقب الشيخ أسماء أعلام الغناء في تلك الفترة، لذلك عالج كثير من كبار مطربي العهد قوالب الإنشاد الديني المتعددة مثل التواشيح والابتهالات والأذان وألحان المولد النبوي الشريف، ويأتي الدليل على ذلك مما رواه الأديب المعروف خليل مطران عن المطرب الكبير عبده الحامولي، فقد وصف مطران في مقال بعنوان «عبده الحمولي على مئذنة جامع سيدنا الحسين» ما حدث في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك من إعتلاء عبده الحامولي لمئذنة مسجد الحسين بعد صلاة العشاء، إنطلق المطرب الكبير ينشد ما وعته ذاكرته من تسابيح وإستغاثات، وجمهور لا حصر له إمتلأت به أرجاء الساحة الممتدة أمام المسجد يطلق آهات: «لها دوي كدويّ البحر الزاخر» وبنص عبارة خليل مطران (قسطندي رزق: الموسيقى الشرقية والغناء العربي، المجلد الأول (2)، ص 142). فإذا ما علمنا أن الحامولي توفي في الثاني عشر من شهر مايو في عام 1901م، فإنه يمكن القول بأن هناك ثمة إحتمال لوجود الصبي على محمود بين جمهور تلك الليلة، وحتى مع انتفاء ذلك الاحتمال، فإن ما تزخر به ليالي رمضان في منطقة تضم الجامع الأزهر ومسجد الحسين من سهرات الإنشاد وإستغاثات السحر وتسابيح الفجر، لا بد وأن تصنع في نفس فتى حسن الصوت ومحب للموسيقى الشىء الكثير، مما كان له أكبر الأثر في مسيرة الشيخ على محمود مع التلاوة والإنشاد. هذا المقال من موقع عباقرة التلاوة تفتح وعي الفتى على محمود في مرحلة تحصيله لعلوم القرآن والفقه وخلال بداياته مع تلاوة القرآن، على ما إنطوى عليه الإنشاد الديني من ألوان موسيقية ساحرة، فتعلق بها قلبه، ومضى ينهل من معينه الذي يتدفق إلي جوار مسجد الحسين في ليالي رمضان وغيرها من المناسبات الدينية، حتى تشبعت نفسه بأسرار الإنشاد الديني وفنونه، فانطلق صوته في مناسبات الإنشاد ليبهر الشيوخ قبل الجمهور. وعن ذلك تحدث الدكتور محمد صلاح الدين بك: وزير الخارجية في وزارة مصطفى النحاس باشا السابعة (وهي الوزارة التي تولت الحكم فيما بين 12- 1- 1950م و27- 1- 1952م) فقال: «وهوى الشيخ على فيما هواه من ألوان الموسيقى. الأذان، وكان الأذان - وما يتبعه من التسابيح والاستغاثات - يتلى قبيل الفجر في الحرم الحسيني على نهج خاص: فنغمة يوم السبت عشاق، ويوم الأحد حجاز، أما يوم الاثنين فنغمته سيكا إذا كان أول إثنين في الشهر، وبياتي إذا كان ثاني إثنين، وحجاز إذا كان ثالث إثنين في الشهر، وشورى على جركاه إذا كان رابع أو خامس أيام الاثنين، وكانت نغمة يوم الثلاثاء سيكا، والأربعاء جركاه، والخميس راست، والجمعة بياتي. فمازال الشيخ يعالج هذا الفن حتى أتقنه، وقد صعد أول ما صعد منارة المسجد الصغيرة، وكان أستاذة الشيخ محمد القشيشي يصعد المنارة الكبيرة، فيؤديان الأذان والتسابيح والاستغاثات، ومقاهي الحي عامرة بأهل الفن وشيوخ الموسيقى وهواتها، يسمعون وينقدون، ومن بينهم كامل الخلعي ودواد حسني وغيرهما من كبار الملحنين» (د. محمد صلاح الدين بك: المصدر السابق). مضى الشيخ علي محمود في اهتمامه بالموسيقى إلي أبعد من ذلك، حيث درس أصول الموسيقى وقواعد التلحين على يد الشيخ إبراهيم المغربي. كان الشيخ المغربي عالما من علماء الأزهر ومن علماء القراءات وله علم بالنغمات والمقامات وأصول التلحين، هذا وقد تعلم على يد الشيخ المغربي جمهرة من أعلام مدرسة الشيوخ في الغناء المصري من أمثال درويش الحريري والسيد الصفتي وأحمد إدريس. لم تقف جهود الشيخ على محمود لاتقان التلحين والغناء عند ذلك، ولكنه إجتهد في حفظ مجموعة كبيرة من الموشحات، أخذ العربي منها عن الشيخ محمد عبدالرحيم المسلوب، وتلقى التركيّ والشاميّ منها على يد الشيخ عثمان الموصلي (محمد كامل الخلعي: كتاب الموسيقى الشرقي، ص 92- 93). وبلغ به إهتمامه بالموسيقي حد السعى وراء أعلام الغناء لسماع أعمالهم ومن ثم حفظها، وقد أثر عنه الاستماع إلي كبار مطربي عصره مثل عبده الحامولي ومحمد عثمان ومحمد سالم العجوز ويوسف المنيلاوي وعبدالحي حلمي (د. محمد صلاح الدين بك: الجزء الثاني من مقال «الشيخ على محمود. فقيد الفن والموسيقى»، الراديو المصري، العدد 467، 26- 2- 1944م، ص 5 و8 و10). إن ما تجمع لدى الشيخ من حصيلة موسيقية جراء سعيه الدؤب خلف مصادرها الأصلية، جعل من تلاوته وإنشاده شيئا لا يتكرر في دولة التلاوة الحديثة. - بدايات الإذاعة: إختلف الكتاب والمهتمون بالتلاوة كثيرا حول الشيخ على محمود، فقد عدته مجموعة كبيرة - ومنهم قراء - منشدا أو وشاحا، ولم يحسبوه في عداد المبرزين من القراء، فانبرى آخرين من الكتاب للتصدي لتلك المقولة بالتفنيد والدحض، ويعد الدكتور محمد صلاح الدين بك أول من تصدوا لتلك المقولة، حيث كتب معقباً على ذلك فقال: «ونحن من القائلين بأن آية الشيخ على محمود كانت في فن القراءة قبل أن تكون في ألحان المولد وموشحاته، ونحن نعلم أن البعض يروجون غير هذا الرأي، ولكننا نحسبهم من خصومه الذين عجزوا عن مشاركته في ألحان المولد، فهم ينزلون له عنها ويلهجون بذكره فيها حتى لا يزحمهم في الميدان المشترك، والذي لا نشك فيه هو أنه السابق المجلي في فن القراءة قبل كل شئ» (د. محمد صلاح الدين بك: المصدر السابق). غير أن الإذاعة المصرية - في بدايتها - لم تكن من رأي الدكتور محمد صلاح الدين بك، فكما هو معروف الآن أن أول صوت إنطلق بآيات القرآن عند بدء الإذاعة في 31- 5- 1934م كان صوت الشيخ محمد رفعت، وبالرغم من أن الشيخ على محمود كان عند بداية إرسال محطة الإذاعة الحكومية في أوج شهرته وتألقه، إلا أن إدارة الإذاعة لم تستعن به آنذاك ليقرأ آيات الذكر الحكيم في مستهل بثها اليومي، وإنما أوقفت جميع تلاوات الشهر الأول من عمرها على القارئ الشيخ محمد رفعت. ثم تغير الأمر في الشهر الثاني، حيث بدأت منذ صباح يوم الجمعة الموافق 29- 6- 1934م بتقديم القرآن الكريم بصوت قارئ يدعى الشيخ محمد الصايم (الأهرام: 29- 6- 1934م، برنامج الإذاعة، ص 13)، ثم توالى تقديم قراءات القرآن الكريم طوال شهر يوليو 1934م بالتبادل بين الشيخين محمد الصايم وأحمد صبح، وإختفى صوت الشيخ محمد رفعت تماما من برامج الإذاعة خلال ذلك الشهر. وجاء ظهور الشيخ على محمود بالإذاعة في اليوم الثامن من إرسالها، حيث قدمته في وصلتين من الإنشاد عن مولد النبي صلى الله عليه وسلم، بدأت الوصلة الأولى في التاسعة والنصف من مساء الخميس 17- 6- 1934م، وجاءت بداية الوصلة الثانية في العاشرة والنصف من مساء ذلك اليوم، علما بأن برامج الإذاعة كانت تقدم على الهواء مباشرة، وأن زمن الوصلة الواحدة يقدر بأربعين دقيقة (الأهرام: 7- 6- 1934، ص3). وجاء تقديم الشيخ على محمود ببرامج الإذاعة للمرة الثانية في مساء يوم 5-7-1934م، وتم التنويه عن ذلك بصحيفة «الأهرام» على النحو التالي: «من 9 إلي 10 (مساء) موسيقى شرقية - مغنى - الشيخ على محمود وسنيدة، من 10.30 إلي 11.30(مساء) إستئناف الموسيقى الشرقية - الشيخ على محمود وسنّيدة» (الأهرام: 5- 7- 1934م، ص 3)، وقد تكرر تقديم الإذاعة للشيخ على محمود في وصلتين غنائيتين في مساء يوم 19- 7- 1934م، وجرى التنويه عن الوصلتين في صحيفة «الأهرام»، حيث أشير إليهما بصيغة مقاربة للتي قدمت بها وصلتي 5- 7- 1934م مع إبدال كلمة «مغنى» لتصبح «مغنى وآلات»، وهو ما يفهم منه أن ثمة آلات موسيقية صاحبت أداء الشيخ لوصلتي يوم 19- 7- 1934م. واصلت إدارة الإذاعة الوليدة فيما تبقى من أشهر عام 1934م إتباع نفس النظام في إسناد تلاوة القرآن خلال برامجها اليومية إلي قراء جدد، حيث إنفرد القارئ الشيخ محمد السيسي بتقديم تلاوات شهر أغسطس من عام 1934م، وكانت تلاوات شهر سبتمبر من ذلك العام من نصيب القارئ الشيخ توفيق عبدالعزيز، وكان قارئ شهر أكتوبر 1934م هو الشيخ محمد عكاشة، وشهد شهر نوفمبر 1934م ظهور القارئ الشيخ عزب السيد مصطفى في برامج الإذاعة. إلا أن أغرب ما قدمته الإذاعة من قراء جدد في الشهور الأولى لإرسالها تمثل في تلاوة أذيعت في العاشرة من صباح الأحد 1934-11-18م، كانت التلاوة لقارئة قدمتها صحيفة «الأهرام» باسم «الشيخة منيرة عبده»!. بعد ذلك ومنذ يوم الثلاثاء الموافق 20- 11- 1934م. ضاعفت الإذاعة من مرات تقديم التلاوات القرآنية في برامجها اليومية، حيث أصبحت التلاوات القرآنية تقدم أولا عند افتتاح البرنامج اليومي في الصباح، ثم تقدم مرة ثانية في فترة المساء أو السهرة، وكانت تلاوة صباح يوم الثلاثاء 20- 11- 1934م للشيخة منيرة عبدة، بينما قرأ الشيخ توفيق عبدالعزيز في الخامسة من مساء ذلك اليوم ما تيسر له من أي القرآن الكريم. وبالرغم من مضاعفة مرات تقديم التلاوات القرآنية في برامج الإذاعة منذ 20- 11- 1934م، فإن الشيخ على محمود لم يظهر ولو في تلاوة واحدة، ولكن ما حدث هو أن الإذاعة أطلقت عبر برامجها المزيد من القراء الجدد، فظهر خلال ما تبقى من شهر نوفمبر 1934م من أيام وخلال شهر ديسمبر 1934م من القراء الجدد كل من الشيخين مدين منصور وعلى حزين. إمتد إهمال الإذاعة لتلاوات الشيخ على محمود إلي عام 1935م أيضا، وإستمرت الإذاعة في إعتماده كمغن أو كمنشد في برامجها. وكان من المعتاد أن يجد المقلب فيما حوته الصحف والمجلات من برامج الإذاعة أسماء لقراء لا يعرفهم أحد الآن أو قبل ذلك، إلي جوار أسماء هؤلاء القراء تجد اسم الشيخ على محمود مقترنا بوصلة غناء، ومن ذلك ما تضمنه برنامج الإذاعة ليوم الخميس 17- 1- 1935م، حيث نصّ البرنامج على أن قارئ التلاوة الصباحية في الساعة السابعة هو الشيخ محمد عكاشة، بينما يقدم القارئ الشيخ مدين منصور في الخامسة من مساء ذلك اليوم تلاوة السهرة، وتضمن ذلك البرنامج وصلتين غنائيتين للشيخ على محمود تم التنويه عنهما بعبارة (مغنى ومذهجية)، وكان توقيت بدء إذاعة الأولى منهما في التاسعة وخمس دقائق من مساء ذلك اليوم، في حين بدأت إذاعة الوصلة الثانية منهما في العاشرة وأربعين دقيقة من ذلك المساء (الأهرام: 17- 1- 1935م، ص2). هذا المقال من موقع عباقرة التلاوة - مأتم ملكي: لم تتغير سياسة الإذاعة كثيرا خلال النصف الأول من عام 1936م في مجال إذاعة التلاوات القرآنية، حيث إستمرت الإذاعة في تقديم المزيد من القراء الجدد، الذين ذهبت أسماء معظمهم إلي مجاهل النسيان من أمثال الشيوخ أمين صالح ومحرز محمد سليمان وهريدي الشوربجي ومحمود هاشم ومحمد أحمد أبوالعمايم وعبدالمتعال حسن جمعة ومحمد إبراهيم المنجد، وذلك إلي جانب ثلاثة ممن عدوا بعد ذلك في عداد نجوم دولة التلاوة، ونعنى بهم الشيوخ طه الفشني وعبدالفتاح الشعشاعي ومنصور الشامي الدمنهوري. إلا أن ذلك النصف الأول من عام 1936م تضمن الإنفراجة الأولى في تعامل الإذاعة مع الشيخ على محمود، وقد جاءت تلك الانفراجه على وجهين، تمثل أولهما في الإكثار من تقديم فقرات غنائية للشيخ، وقد جاء معظم تلك الفقرات في صورة إسطوانات مذاعة، وذلك إلي جانب وصلات إذاعية تتضمن بعض القصائد والتواشيح. وكانت ملابسات تقديم وصلات الشيخ على محمود الغنائية في بعض الأيام شيئا يعسر على الفهم، ومن ذلك ما حدث في مساء يوم الخميس الموافق 28- 5- 1936م، حيث قدمت الإذاعة الشيخ على محمود في السادسة وخمس وثلاثين دقيقة في توشيح «يا باهي الشيم»، وقبل ذلك مباشرة - وفي السادسة من ذلك المساء - أذيع ما تيسير من آي الذكر الحكيم بصوت الشيخة خوجة إسماعيل!. إن علامات التعجب السابقة لا تنبثق من كون القارئ في ذلك المساء إمرأة، ولكنها تأتي من أنه لا يوجد الآن ولا قبل نصف قرن أحد يعرف شيئا عن خوجة إسماعيل. وجاء الوجه الثاني لانفراج تعامل الإذاعة مع الشيخ على محمود مصاحبا لليالي مأتم الملك فؤاد الأول، حيث إشترك الشيخ مع كبار القراء في إحياء ليالي المأتم الثلاث التي أقيمت في سرادق كبير أنشى في حرم قصر عابدين، وقد قامت الإذاعة المصرية بنقل وقائع ليالي المأتم (من الخميس 30- 4- 1936م وحتى السبت 2- 5- 1936م) على الهواء مباشرة، لتكون أول تلاوات إذاعية للشيخ مرتبطة بليالي مأتم الملك فؤاد الأول. هذا وقد أكدت صحافة ذلك العهد على قيام الإذاعة ببث تلاوات كبار القراء من داخل سرادق العزاء، حيث ذكرت صحيفة «الأهرام» أن كل من الشيخ على محمود والشيخ محمد رفعت والشيخ محمد الصيفي سوف يتناوبوا تلاوة آي الذكر الحكيم فيما بين الساعة الثامنة من مساء يوم السبت 2- 5- 1936م وحتى منتصف الليل داخل سرادق العزاء المقام في فناء قصر عابدين، مع تنويه الصحيفة عن أن تلاوات القراء الثلاثة ستذاع عبر موجات البرنامج العربي من المحطة الرئيسية (الأهرام: السبت 2- 5- 1936م، ص 14). - الانطلاقة: فتحت مشاركة الشيخ على محمود في إحياء مأتم الملك فؤاد أبواب الإذاعة أمام صوته، حيث زالت الأسباب القائمة وراء عدم اعتماد الإذاعة له كقارئ للقرآن في برامجها، وهي أسباب قد يكون تحرج الشيخ من الركون إلي الوسائط الحديثة - آنذاك - كالاسطوانات والراديو لنقل تلاواته أو حفظها، شأنه في ذلك شأن غيره من كبار القراء، أو أن تكون تلك الأسباب راجعة إلي إعتقاد المسئولين بالإذاعة أن الشيخ يعد منشداً أكثر منه قارئا للقرآن. فلما إستمع حضور مأتم الملك مع مستمعي الإذاعة إلي تلاوات الشيخ المذاعة، إنتفت الأسباب - وأيا كان مصدرها-التي كانت تحول بين إنطلاق تلاوات الشيخ عبر أثير الإذاعة، وجاءت الإذاعة الثانية للشيخ علي محمود كقارئ للقرآن في الثامنة والنصف من مساء السبت 6- 6- 1936م، حيث نقلت الإذاعة ما تلاة الشيخ من آي الذكر الحكيم في حفل أقيم بمسجد الرفاعي بالقاهرة (الراديو المصري: العدد 63، 30- 5- 1936م، ص23)، ثم إنقضت تسعة أشهر وبضعة أيام قبل أن تعاود الإذاعة الكرة وتقدم تلاوة ثالثة للشيخ على محمود، وفي ترتيب يستوقف المرء للتأمل، جاءت تلاوة الشيخ الإذاعية الثالثة في ثنايا حفل نقلته الإذاعة مساء الاثنين 15- 3- 1937م، أقامت الحفل جمعية «مكارم الأخلاق الأسلامية» في مقرها بحي شبرا، وقد أقيم الحفل تحت رعاية حضرة صاحب السعادة محمد الحفني الطرزي باشا (وبنص تقديم مجلة «الراديو المصري» للحفل) وذلك بمناسبة حلول العام الهجري الجديد (آنذاك)، تضمن الإعلان عن الحفل في برنامج يوم الاثنين 15- 3- 1937م الذي نشر بمجلة «الراديو المصري» صورة للشيخ على محمود بأعلى الصفحة الواحدة والعشرين، وكان التعليق تحت الصورة بالنص التالي: «إستمع إلي تلاوة آي الذكر الحكيم والسيرة النبوية من الشيخ على محمود في الساعة الثامنة من مساء الاثنين، وهذا وقد تضمن برنامج الحفل الفقرات التالية: في الثامنة. تلاوة من آي الذكر الحكيم للشيخ على محمود، في الثامنة والنصف. قصة الهجرة النبوية الشريفة من تأليف الشيخ محمود محمود وإنشاد شباب الجمعية، وفي التاسعة وخمسين دقيقة. المولد النبوي الشريف للشيخ على محمود ورفاقه (الراديو المصري: العدد 104، 13- 3- 1937، ص21). من ذلك يمكن القول بأن ثمة أيد من خارج الإذاعة كانت تعمل لإطلاق تلاوات الشيخ عبر برامج الإذاعة. عمل القائمون على أمر الإذاعة - منذ إنشائها - على استرضاء ملك البلاد فى جميع المناسبات ما وسعهم الجهد إلى ذلك، حيث اهتمت الإذاعة بإحياء مناسبات القصر مثل عيد الميلاد الملكى وعيد الجلوس الملكى وذكرى رحيل ملك البلاد السابق فؤاد، وبمناسبة عقد قران الملك فاروق وزوجته الأولى الملكة فريدة. نقلت الإذاعة حفلا خاصا أقامته رابطة القراء بالمسجد الحسينى احتفالا بتلك المناسبة، أقيم الحفل فى مساء الأربعاء الموافق 19- 1- 1937م وامتد فيما بين السابعة والنصف وحتى ما بعد منتصف الليل بثلث الساعة ، أفتتح الحفل بتلاوة من آى الذكر الحكيم قدمها الشيخ على محمود، ثم توالى من القراء من بعده الشيوخ سيد سلطان وطه الفشنى ومحمد الصيفى يقدمون ما تيسر لهم من كتاب الله، وفى العاشرة والثلث. قدم الشيخ على محمود نشيد وقصيدة للتهنئة بالقران الملكى السعيد، وجاء ختام الحفل بتلاوة رتلها الشيخ عبدالفتاح الشعشاعى. وتأتى أهمية ذلك الحفل من كونه يعد المرة الأولى التى يظهر فيها الشيخ على محمود فى إحدى المناسبات الملكية كقارئ ومنشد، لتقف تلك المناسبة شاهدا على مجالى تفرد الشيخ. التلاوة والإنشاد، وبالرغم من ثقل مشاركة الشيخ فى حفل رابطة القراء المشار إليه، وهو ثقل يعبر عن جماهيرية الشيخ ومكانته فى دولة التلاوة. وبالرغم أيضا من أن الإذاعة كانت قد غيرت منذ بداية عام 1938م من نظام إذاعة التلاوات القرآنية فى برامجها، حيث اعتمدت نظام تبادل مجموعة من القراء تلاوة آيات الذكر الحكيم، بدلا من النظام السابق والقائم على تبادل قارئين للتلاوة خلال فترة محددة قد تكون أسبوعا أو شهرا، إلا أن إدارة الإذاعة واصلت إعراضها عن الشيخ على محمود، فلم تضفه إلى من اعتمدت أصواتهم فى عام 1938م وما قبله من قراء لا يعلم أحد سببا وجيها لاعتماد أكثرهم. - عود إلي الرشد: شهد عام 1939م منذ بدايته ظهور المزيد من القراء الإذاعيين، منهم من لم يضف إلى دولة التلاوة شيىء سوى إسمه، ومن هؤلاء نذكر الأسماء التالية: عباس محمد حسين - زكى سيد عبدالعال - حسن صبحى وزكى محمد شرف، على أن ذلك العام شهد أيضا إضافة أسمين آخرين لقائمة قراء الإذاعة، ولكنهما وكما شهد التاريخ كانا من أشهر نجوم دولة التلاوة خلال عصرها الذهبى الأخير، كان الأول منهما هو الشيخ محمد فريد السنديونى، وقد ظهر للمرة الأولى فى برامج الإذاعة فى يوم الأربعاء 7- 6- 1939م، بينما كان الثانى منهما هو الشيخ على محمود، والذى قدمته الإذاعة ولأول مرة كقارئ إذاعى - وليس كقارئ فى حفل خارجى - فى مساء يوم الاثنين 15جمادى الأولى سنة 1358هـ والموافق 3- 7- 1939م. وبالرغم من أن الإذاعة باعتمادها الشيخ كقارئ للقرآن فى برامجها قد عادت إلى رشدها والتزمت جانب الصواب فى أمر لا يختلف حوله أثنين، إلا أن لملابسات اعتماد الشيخ فى الإذاعة حكاية تستحق الرواية، لما لها من أهمية وقيمة تاريخية وكشف لبعض الأسباب التى أدت لانهيار دولة التلاوة بعد سنوات قلائل. نوهت مجلة "الراديو المصرى" - وهى الناطق الرسمى باسم الإذاعة المصرية - بالصفحة الثانية والعشرين من عددها رقم (208) الذى صدر صباح يوم الأحد 11- 3- 1939م، نوهت عن حفل ستقيمه رابطة القراء بالمسجد الحسينى فيما بين الحادية عشرة من مساء يوم الثلاثاء 14- 3- 1939م وإلى ما بعد منتصف الليل بنصف الساعة، وذكرت المجلة أن الحفل سيعقد برئاسة رئيس شرف الرابطة: صاحب السعادة محمد الحفنى الطرزى باشا، وذلك ابتهاجا من الرابطة بقران ولى عهد إيران: الأمير شاهبور محمد رضا وشقيقه الملك فاروق: الأميرة فوزية، وأضافت المجلة إلى ذلك أن الحفل سيبدأ بكلمة الشيخ عبدالفتاح خليفة: مدير الرابطة، وأن الشيخ على محمود سيقرأ ما تيسر من آى الذكر الحكيم بداية من الحادية عشرة والربع، ثم يختتم الحفل بتلاوة للشيخ عبدالفتاح الشعشاعى تبدأ قبل منتصف الليل بخمس دقائق. وجاء فى برنامج يوم الأربعاء 15- 3- 1939م - وهو يوم عقد القران - أن الإذاعة ستقدم فى الثامنة وخمسين دقيقة مساء وصلة غنائية للشيخ على محمود، وكان نص تقديم المجلة لتلك الوصلة بالصفحة الثالثة والعشرين من العدد المشار إليه قبلا كما يلى: "8.50 الشيخ على محمود ومذهبجية - أناشيد وتواشيح دينية - قصة المولد النبوى الشريف: تأليف الأستاذ عبدالله بك عفيفى وتلحين الأستاذ الشيخ على محمود - قصيدة الزفاف الملكى: تأليف الأستاذ أحمد الكنانى وتلحين الأستاذ الشيخ على محمود"، هذا وقد تضمن برنامج الإذاعة لمساء ذلك اليوم - الأربعاء 15- 3- 1939م - وصلة ثانية من القصائد والتواشيح التى انشدها الشيخ على محمود بمناسبة القران السعيد، واستغرقت الوصلة الثانية الفترة فيما بين الحادية عشرة وعشر دقائق ومنتصف الليل. إن نظرة إلى مقطع من نشيد "ارفعى يا مصر أعلام الهناء" الذى تغنى به الشيخ على محمود فى تلك الليلة، تكفى لكشف السبب فى تحول الإذاعة عن موقفها القديم بالامتناع عن اعتماد الشيخ كقارئ للقرآن فى برامجها، تضمن المقطع من ذلك النشيد الذى كتبه عبدالله بك عفيفى الأبيات التالية: يا مليكى أنت للدنيا بهاء يا مليكى أنت للعليا رجاء يا مليكى اسلم ودم نحن الفداء إنما نحن نفوس من ولاء داعيا كل آن بالأمانى والأمان ملكك السامى المبانى حف بالسبع المثانى ولم يكن ما تضمنته القصيدة الأخرى - التى أنشدها الشيخ على محمود خلال الوصلة الثانية فى تلك الليلة - من مدح للملك وأسرته وصهره بأقل مما جاء فى ذلك النشيد. ولما كان الملك فاروق يبدى خلال تلك الفترة اهتماما بالتردد على المساجد وبتلاوة القرآن، حتى أن هناك الكثير من الصور التى أخذت له فى تلك الفترة وهو يستمع إلى البعض من مشاهير القراء، لذا يمكن القول بأن ما إنطوى عليه حفل رابطة القراء فى مساء الثلاثاء 14- 3- 1939م وما تضمنته سهرة الأربعاء 15- 3- 1939م من إشارات وتلميحات، لم تغب عن فطنة الملك وفهمه، فصدر الأمر أو أرسلت الإشارة إلى الإذاعة للإفراج عن صوت الشيخ وبثه إلى عموم الناس على موجات أثير الإذاعة. هذا المقال من موقع عباقرة التلاوة - بعد الاعتماد: جاءت التلاوة الأولى للشيخ على محمود كقارئ معتمد للسورة ببرامج الإذاعة فى السابعة وخمسة عشر دقيقة من مساء الاثنين 15 جمادى الأولى من سنة 1358هـ والموافق 3- 7- 1939م، تضمنت التلاوة التى جاءت من بداية المصحف «فاتحة الكتاب» والربعان الأول والثانى من سورة «البقرة»، وبلغ زمن تلك التلاوة أربعين دقيقة (الأهرام: الاثنين 3- 7- 1939م، ص13). واعتمدت الإذاعة منذ ذلك اليوم الشيخ على محمود كقارئ للقرآن فى مساء يوم الاثنين من كل أسبوع، لتتوالى بعد ذلك - وبانتظام لم تقطعه مشاركات الشيخ فى الاحتفالات الخاصة بالمناسبات الدينية - تلاواته الأسبوعية، حتى إختتم القرآن كاملا بتلاوة تضمنت السور من "الشرح" إلى "الناس" وأذيعت فى التاسعة وعشرين دقيقة من مساء يوم الاثنين 11- 11- 1941م (الراديو المصرى: العدد 334، 9- 8- 1941م، ص 14). لم تكن أبواب الإذاعة هى ما فتحت فقط أمام صوت الشيخ على محمود فى صيف عام 1939م، وإنما فتحت معها أيضا أبواب قاعات الاحتفالات الملكية، ففى حفل أقيم بدار الأوبرا الملكية بالقاهرة فى ذكرى قران الملك فاروق والملكة فريدة، ونقلت الإذاعة المصرية وقائع الحفل على الهواء فى التاسعة من مساء السبت 20- 1- 1940م، افتتح الشيخ وقائع الحفل - وبعد عزف السلام الملكى - بتلاوة قرآنية بلغ زمنها ربع الساعة (الراديو المصرى: العدد 252، 13- 1- 1940م، ص4). وفى احتفال الإذاعة بالعام الهجرى الجديد (1359هـ) والذى أقيم فى مساء يوم الجمعة 9- 2- 1940م تصدر الشيخ الاحتفال وقدم ليلتها القصة النبوية الشريفة من تأليف عبدالله عفيفى بك وأتبعها بقصيدة من نظم الأستاذ محمد راضى عثمان، وعندما حل شهر رمضان لسنة 1360هـ وجاء يومه الأول موافقا للاثنين 22- 9- 1941م، استقبلت الإذاعة هلال الشهر الكريم بأول تلاوة قدمتها للشيخ على محمود، وهى التلاوة التى تضمنت "فاتحة الكتاب" والربعان الأول والثانى من سورة "البقرة"، وبالرغم من أن الإذاعة أضافت فى عامى 1940م و 1941م المزيد من القراء الجدد، ومن هؤلاء القراء نذكر الشيوخ: أحمد سرور - إبراهيم عيسى - عبدالله كامل المحلاوى - شفيق أبوشبهة - محمد عبدالمجيد البيلى - عبدالله حماد البدرشينى وزكريا النوسانى، فان قرآن أمسية الاثنين من كل أسبوع ظل وقفا على صوت الشيخ على محمود، حيث دأبت الإذاعة على إعادة بث تلاوات الشيخ للختمة المجودة الكاملة التى قدمها عبر ميكرفون الإذاعة فيما بين 3- 7- 1939م و11- 8- 1941م، وذلك خلال عامى 1942م و1943م، حتى روع الناس فى مصر والعالم الإسلامى برحيله وتشييع جنازته فى يوم الأربعاء الرابع والعشرين من ذى الحجة سنة 1362هـ والموافق 22- 12- 1943م. وقد أوردت صحيفة "الأهرام" نبأ وفاة الشيخ فى صفحة الوفيات بعدد الخميس 23- 12- 1943م من خلال نعى نشرته أسرة الشيخ، وقد نعاه أيضا محمد الحفنى الطرزى باشا رئيس شرف رابطة القراء وجميع أعضائها، وجاء فى نعي الرابطة أن أعضائها: "ينعون بمزيد من الأسف الأستاذ الشيخ على محمود الرئيس الإدارى، الذى اكتسب بدينة وخلقه محبة القلوب، فبفقده فقدت الرابطة بل والأمة المصرية علما خفاقا وبلبلا صداحا". - ضياع التراث: تنقسم إبداعات الشيخ على محمود - وطبقا لما باحت به مسيرة حياته إلى قسمين رئيسين، يتضمن أولهما ما أنجزه من تلاوات قرآنية عبر الإذاعة والحفلات والسهرات الدينية، ويضاف إلى هذا القسم أيضا أذان الصلاة وما يتبعه من تسابيح وابتهالات، ويأتى فى القسم الثانى من إبداعات الشيخ ألحان المولد النبوى الشريف والقصائد والموشحات والقوالب الأخرى. فأما القسم الأول من إبداعات الشيخ، فقد كشفت لنا السيرة المختصرة السابقة لحياته أنه أتم ختمة مجودة كاملة للإذاعة المصرية فيما بين 3- 7- 1939م و11- 8- 1941م، وذلك بالإضافة إلى ما يقال أنه قد سجله من تلاوات قرآنية للإذاعة البريطانية (د. محمد صلاح الدين بك: المصدر السابق)، فضلا عما نقلته الإذاعة من تلاوات شارك بها فى بعض المناسبات والاحتفالات الدينية أو الرسمية، كل ذلك الرصيد الهائل من التلاوات المجودة داخل قاعات البث الإذاعى أو ساحات المساجد اختفى بعضه بعد أشهر قلائل من رحيله. فبالرغم من أن الإذاعة المصرية بدأت منذ غرة شهر رمضان من سنة 1360هـ فى إعادة بث التلاوات الأولى من الختمة المجودة التى سجلها الشيخ للإذاعة، فإن كاتبا كالدكتور محمد صلاح الدين بك يذكر فى مقاله القيم عن الشيخ والذى نشر بعد أقل من شهرين من رحيله، يذكر الدكتور محمد صلاح الدين بك أن الوجية محمد خميس بك نجح فى تسجيل الكثير من تلاوات الشيخ التى كانت تذاع فى المناسبات والحفلات، بينما أهملت الإذاعة ذلك لانشغالها بتسجيل الحفلات الغنائية لمن يستحق ومن لا يستحق. وإحقاقا للحق. فإن الإذاعة لا تتحمل وحدها مسئولية ضياع تسجيلات الشيخ على محمود، حيث يتحمل الشيخ قدرا من تلك المسئولية، ويعود المتبقى من تلك المسئولية إلى بدائية تقنيات تسجيل الصوت فى ذلك العصر. وقد جاءت مسئولية الشيخ عن ضياع تسجيلاته من تردده فى التعامل مع الإذاعة، وذلك خوفا من أن يكون هناك ثمة إثم فى تلاوة القرآن عبر الإذاعة وهي التقنية الجديدة فى وقتها، وتتمثل مسئولية بدائية مستوى تقنيات تسجيل الصوت فى أن المعروف من تلك التقنيات فى عشرينات القرن العشرين - وهو عقد التألق والذروة فى عطاء الشيخ - إنحصر فى الاسطوانات وحدها. ومن المعروف أن تسجيل القرآن على الاسطوانات شهد جدلا كبيرا، مما تسبب فى إعراض كبار القراء عن قبول تلك التقنية لحفظ تلاواتهم، حتى أن إعلانات شركات الاسطوانات التى ملأت صحف العشرينات والثلاثينيات من القرن العشرين، خلت من أى حديث عن تلاوات مسجلة لكبار قراء تلك الفترة على أسطوانات. وبكر الأعوام توالى اختفاء تسجيلات تلاوات الشيخ على محمود، حتى أصبح المتداول منها فى شركات الصوتيات لا يزيد عن أحاد تشمل ما تيسر له من سور "الأنفال" و"يوسف" و"الكهف" و"القيامة" وقصار السور، فى تلك التسجيلات القليلة يشرق صوت الشيخ فى المسامع من علياء تجلياته، ليتجاوز فى انطلاقاته ديوانين كاملين ومخترقا بصوته القسم الثالث من أقسام أصوات الرجال، وهو الصادح أو التينور. لم يكن صوت الشيخ على محمود جميلا كصوت معاصره الشيخ محمد رفعت، أو كأصوات بعض أفذاذ القراء ممن جاءوا بعده من أمثال الشيوخ عبدالعظيم زاهر وكامل يوسف البهتيمى ومحمد صديق المنشاوى، ولكن تميز صوت الشيخ على محمود انحصر بجانب إتساع المساحة فى سلامة جميع أقسامه من طبقة القرار ومرورا بالطبقة الوسطى ووصولا إلى طبقة الجواب وجواب الجواب، إن صوتا كهذا إذا ما استند أيضا إلى معرفة موسوعية بالأصوات والألحان وعلوم القراءات، فحدث ولا حرج عن إحكام وإعجاز تلاواته، وهو ما يلمسه المستمع إلى التسجيلات القليلة لتلاوات له نجت من غائلة الضياع التى بددت معظم ما أنجز فى هذه المجال من إبداعاته، مما جعله جديرا - وبحق بلقب إمام القراء من المنشدين. - بدائع الإنشاد: مثلت إبداعات الشيخ على محمود فى مجال الإنشاد الدينى الجانب الأكبر فى القسم الثانى من تراثه، وقد جاءت تلك الإبداعات فى القوالب المعروفة حال تألق الشيخ خلال العشرينات والثلاثينيات من القرن الماضى، وهى قوالب ألحان المولد النبوى الشريف والقصائد والتواشيح بالإضافة إلى أذان الصلاة والابتهالات والأدعية. ولحسن حظ الأجيال الحالية فإن قدرا طيبا من إبداعات الشيخ فى هذا المجال قد نجا من براثن الضياع التى بددت الكثير من تلك الإبداعات، ولعل السبب الرئيسى فى نجاة هذا القدر من إبداعات الشيخ هو أنها أدركت عصر تسجيل الصوت على الاسطوانات، وكما هو معلوم فإن ألحان المولد النبوى تتضمن قصة ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة حياته. هذا وقد اعتمد المنشدون فى إبداع ألحان المولد النبوى على ما صاغه الشعراء والكتاب من قصائد ونثر مسجوع يتناول قصة ميلاد أو سيرة النبى صلى الله عليه وسلم، ومن تلك الصيغ ما قدمه عبدالله بك عفيفى - وهو أحد أفراد حاشية الملك فاروق - ولحنه وأنشده الشيخ على محمود فى مساء الأربعاء 15- 3- 1939م بمناسبة عقد قران ولى عهد إيران وشقيقة الملك فاروق. ولعل أشهر تلك الصيغ ما أبدعه الأمام البرزنجى فى كتابه "قصة المولد النبوى"، والإمام البرزنجى هو الشيخ جعفر بن حسن بن عبدالكريم بن محمد بن رسول الحسينى البرزنجي المدنى، ولد بالمدينة المنورة وتولى منصب مفتى الشافعية بها وتوفى سنة 1184هـ - 1766م (د. فاطمة محجوب: الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية، الجزء السادس، ص 630- 631). وقد اجتزأ الدكتور محمد صلاح الدين بك فى مقاله الوافى عن الشيخ على محمود - والذى سبقت الإشارة إليه - النص التالى من قصة المولد النبوى:"ولما أرد الله تبارك وتعالى إبراز حقيقته المحمدية، وإظهاره روحا وجسما بصورته ومعناه، نقله إلى مقره من صدفة آمنة الزهرية، وخصها القريب المجيب أن تكون أما لمصطفاه، ونودى فى السماوات والأرض بحملها لأنواره الذاتية، وصبا كل صب لهبوب نسيم صباه، وكسيت الأرض بعد طول جدبها من النبات حللا سندسية، وأينعت الثمار، وأدنى الشجر للجانى جناه، ونطقت بحملها كل دابة لقريش بفصاح الألسن العربية، وخرت الأسرة والأصنام على الوجوه والأفواه، وتباشرت المشارق والمغارب ودوابها البحرية، واحتست العوالم من السرور كأس حمياه وبشرت الجن باطلال زمنه، وانتهت الكهانة ورهبت الرهبانية، ولهج بخبره كل حبر خبير وفى حلى حسنه تاه (د. محمد صلاح الدين بك: المصدر السابق)، ومما استعان به الشيخ على محمود من غرر القصائد التى نظمت فى مدح رسول الله صلى الله علية وسلم، الهمزية الشهيرة للإمام البوصيرى صاحب البردة، وهو الكاتب الشاعر المتصوف: شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجى المعروف بالبوصيرى المتوفى سنة 696هـ/ 1296م، وتبدأ الهمزية بالأبيات التالية: كيف ترقى رقيك الأنبياء ياسماء ما طاولتها سماء لم يساووك فى علاك وقد حال سنى منك دونهم وسناء ومما أتاحه البحث فى تراث الإذاعة القصيدة التالية التى أنشدها الشيخ على محمود فى احتفال الإذاعة بالعام الهجرى الجديد (1359هـ)، والذى صادف مساء يوم الجمعة 9- 2- 1940م، وفيما يلى نقدم نص هذه القصيدة التى كانت من نظم الأستاذ محمد راضى عثمان (الراديو المصرى: العدد 255، 3- 2- 1940م، ص5): عام به ذكرى الهدى تتجدد يمضى الزمان وذكره لا ينفدُ عام له فى الخافقين جلاله تشدو الهواتف والملائك تسعد يا عام حدث عن عظيم جهاده واشرح صحائفه فهذا أحمد فى حلمة علم وفى أخلاقه وصفاته كرم لمن يتفقد حدث عن المختار ينشر دينه أرأيت هجرته التى لا تجحد فى طاعة الرحمن يمم يثربا فكأنها صبح تنفس أسعد واستبشر الأنصار لما أن رأوا نور البشير فقيل هذا السيد وأيا ما كانت صيغة المدائح التى يرددها الشيخ، أكانت شعرا أم نثرا، فإنه يبدأ الإنشاد بالتنقل بين المقامات، مطلقا لصوته العنان حتى يبلغ درجة الجواب وجواب الجواب، وقد أتاح له الأداء الحر غير المقيد بوزن إيقاعى والمرتبط بالإنشاد أن يبلغ بصوته آفاقا لم يبلغها سواه، ولنضرب مثلا هنا على ذلك إحدى أشهر القصائد التى أنشدها الشيخ - بلحن له - فى مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتى تبدأ بالأبيات التالية: أدخل على قلبى المسرة والفرح يا من لقدر المصطفى الهادى شرح يا من له حسن العوائد والذى يهب الجميل ومنه تأتينا المنح ولم يكتف الشيخ بإنشاد ما لحن من مدائح نبوية، حيث أتبع ذلك بإنشاد أعمال وضع ألحانها آخرين، ومن ذلك موشح "إن ميلاد الرسول" الذى لحنه موسيقار الشعب الشيخ سيد درويش وترنم به الشيخ على محمود، وفيما يلى نقدم نص ذلك الموشح (د. إيزيس فتح الله وآخرون: سيد درويش، موسوعة إعلام الموسيقى العربية، الجزء الأول، ص 86): إن ميلاد الرسول المصطفى سامى المكان خير عيد يتجلى بالصفا فى كل آن مولد قد أشرقت منه لنا شمس الهنا وبه الخير على وفق المنى للناس كان قد زها الكون بأنوار الهدى لما بدا واختفى الظلم وقد زال الردى والحق بان غرر القصائد يأتى فى الجانب الأصغر من القسم الثانى من تراث الشيخ على محمود ما أنجزه من قصائد وموشحات ومواويل عالجت أغراضا كالوصف والغزل والمدح، فمن هذا الجانب نذكر القصائد التالية: «يا من هواه بقتل مضناه حكم« «سل يا أخا البدر» أدر ذكرى"جدد الوصل" "يا مائسة القدر" "يا معتدل القد" "لاح بدر التم" "السعد أقبل" "ارفعى يا مصر أعلام الهناء" "لولى عهد الفرس يسر ما قصد" "أنا منك ذو وله" "انعم بوصلك" "أهلا بغزال" "خطرت وقد خطرت" "شكوت لخاله" "حتام ياساجى اللواحظ" "أنا فى الحب صاحب المعجزات" "فياجيرة الشّعب اليمانى" . "ته دلالا" (د. خيرى محمد عامر: المصدر السابق، برامج الإذاعة فيما بين عامى 1936م و1943م). كانت تلك القصائد جميعها من ألحان الشيخ على محمود، إن أول وأهم ما يلاحظه المستمع إلى تسجيلات تلك القصائد يتمثل فى أن بعضها قد أنجز بمصاحبة بعض الآلات الموسيقية، ومن ذلك قصيدة "ته دلالا" التى صاحب أداء الشيخ لها عزف على آله القانون، وقصيدة "فياجيرة الشّعب اليمانى" التى ترنم بها الشيخ بمصاحبة كمان وقانون، ومن هذه القصائد نقدم نص قصيدة "ته دلالا" لابن الفارض التي وضع لها الشيخ لحنا من مقام الهزام ( د. خيرى محمد عامر: المصدر السابق): ته دلالا فأنت أهل لذاكا وتحكم فالحسن قد أعطاكا ولك الأمر فاقض ما أنت قاض فعليٌّ الجمال قد ولاّكا وبما شئت فى هواك فاختبرنى فاختيارى ما كان فيه رضاكا يستحضر الشيخ على محمود فى لحنه لتلك القصيدة القواعد المتبعة فى القراءات الصحيحة للقرآن، ويشدد بالأخص على النطق الصحيح للكلمات، بإخراج حروفها من مخارجها الصحيحة دون مد أو مط أو إطالة تنحرف بالكلمة عن المتعارف عليه بين الفقهاء من صحيح التجويد، ولننظر إلى ما صنعه الشيخ مع المد فى كلمة (الجمال) بالشطرة الرابعة من القصيدة، حيث أطلق صوته ليحلق مرجعا فى درجات قسم الصادح (أو التينور) من صوته الباذخ. وليس ذلك بأقل مما صنعه الشيخ فى أدائه للحن قصيدة "فياجيرة الشّعب اليمانى" الذى وضعه في مقام الهزام، وقد صاحبه عزف على آلة الكمان والقانون، ويستطيع أى مستمع لموسيقى ذلك العهد أن يدرك أن العازف على آله الكمان هو العازف الأشهر على هذه الآلة: سامى الشوا، وفيما يلى نقدم نص هذه القصيدة التى يبلغ الشيخ فى أدائها حد الأعجاز: فياجيرة الشّعب اليمانى بحقكم صِلوا أو مُروا طيف الخيال يزورُ بعدتم ولم يبعد عن القلب حبكم وغبتم وأنتم فى الفؤاد حضورُ أُحيباب قلبى هل سواكم لعلتى طبيب بداء العاشقين خبيرُ وإنى لمستغن عن الكون دونكم وأنى إليكم سادتى ففقيرُ أعيروا عيونى نظرة من جمالكم وما كل من يُغلى الوصال يعيرُ ولا تغلقوا الأبواب دونى لذلتي فأنتم كرام والكريم غفورُ ولينظر القارئ فقط فى هذه القصيدة الجميلة إلى لفظ (أُحيباب) وهو تصغير (أحباب) ليعلم أى درك هوت إليه لغة الغناء فى أيامنا هذه!. تعد القصائد والموشحات التى لحنها الشيخ على محمود وترنم بها بمثابة حلقة الوصل أو مرحلة التطور من ترتيل القرآن إلى الغناء العربى المتقن، ويقوم الدليل على ذلك من أعمال كثيرة للشيخ نجت من غائلة الضياع، ومن هذه الأعمال قصيدة "يا نسيم الصبا" التى كانت من ألحان تلميذه الشيخ زكريا أحمد (صبرى أبوالمجد: زكريا أحمد، ص 296). وتعد هذه القصيدة من أهم ما أنشد الشيخ على محمود من قصائد، وقد أبرز الناقد الراحل - كمال النجمى أسباب ذلك بقوله: "وهذه القصيدة سجلها الشيخ على محمود على أسطوانة فى منتصف العشرينيات، وأداها بطريقة فذة مزج فيها مزجا باهرا بين أداء المنشدين والمقرئين والمطربين، وخلع عليها من سطوة أدائه وصوته ما جعلها من بدائع الغناء العربى الكلاسيكى، وأداء هذه الأغنية يحتاج إلى صوت رائع ونفس مديد وفحولة ونعومة، وتحتاج قبل كل شئ إلى إحساس فائق الدقة بالغناء العربى" (كمال النجمى: الغناء المصرى. مطربون ومستمعون، ص 76)، وفيما يلى نقدم نص هذه القصيدة: يا نسيم الصبا تحمل سلامى لظباء الحمى ووادى سلام ثم بلغهم تحايا محب خلفوه ينوح نوح الحمام ولعل الزمان يسمح يوما وأرى طيفهم ولو فى المنام وأملى ذكراهم على عسى يشفى فؤادى بذكرهم من سقام فهو لوعتى وفرط شجونى والتزامى بأهل ذاك المقام هذا المقال من موقع عباقرة التلاوة ومن عجائب لحن هذه القصيدة الكثيرة، أن الشيخ يبلغ ذرا الجواب من صوته عند افتتاحه الغناء بياء النداء فى الشطر الأول من البيت الأول من القصيدة!، والأعجب من ذلك أنه يبلغ تلك الذرا مرتين خلال أدائه للشطر الأول من البيت الثالث وذلك عند كلمتى (الزمان) و(يوما)!، يتبقى من الحديث عن هذه القصيدة القول بأن أداء الشيخ لها جاء مصاحبا بعزف على الكمان لسامى الشوا (عبدالحميد توفيق زكى: المعاصرون من رواد الموسيقى العربية، ص 117). يحار المرء فيما يمكن أن يختار مما تغنى به الشيخ على محمود من قصائد ليتحدث عنها أو يثبتها فى مقال كهذا، وهى قصائد سجل الشيخ معظمها على أسطوانات لا نعلم مصيرها الآن، وبالتالى فإن كثيرا منها لم يتبق منه سوى الاسم فقط. ومما يؤسف له حقا أن الإذاعة - وقد أدركت الشيخ فى سنواته الأخيرة - لم تقدم له من القصائد أكثر من قصديتين، ونعنى بهما القصيدتان اللتان أنشدهما الشيخ فى احتفال الإذاعة مساء يوم الأربعاء 15- 3- 1939م بمناسبة عقد قران ولى عهد إيران وشقيقة الملك فاروق، قدمت الإذاعة إحدى القصديتين على أنها نشيد يحمل اسم "ارفعى يا مصر أعلام الهناء" وقد سبق فى هذه المقال أن قدمنا المقطع الأخير من هذا النشيد وسوف نستكمل هنا المقاطع الأولى من النشيد والذى كان من نظم عبدالله بك عفيفى: ارفعى يا مصر أعلام الهناء وانشرى يا مصر فى الكون صفاء وابعثى من نورك الهادى الضياء قد بدا البدران فى أفق الثناء فاجتنى زهر الأمانى واجتلى صفو الأمانى واقبلى نظم التهانى واسعدى بالمهرجان غني يا نيل قد طاب الغناء واقتبل يا روض وانفح من تشاء وابسمى يا شمس واصفى يا سماء إن هذا اليوم للدهر ثراء فيه زُفّ النيّران وتجلى الفرقدان وتباهى المشرقان وصفا عقد القران وأما القصيدة الثانية التى أنشدها الشيخ على محمود فى الوصلة الثانية التى قدمها فيما بين الحادية عشرة وعشر دقائق ومنتصف ليل الأربعاء 15- 3- 1939م، فقد كانت من نظم الأستاذ أحمد الكنانى، وفيما يلى نقدم نصها: لولى عهد الفرس يسر ما قصد ولحظه الموفور بالفوز انفرد وبمصر روض الصفو غرد ورقه والغصن لما لم يطق نطقا سجد وترى الكواكب أشرقت أنوارها وضياؤها الزاهى تجمع واحتشد فسعت لدى الفاروق فى أفراحه لما رأت حسنا تجاوز كل حد يا مصر قرى أعينا فمحمد برضا الإله على أميرتنا عقد مصر وإيران أتم ولاءهم هذا القران وبارك المولى الصمد أهلا بوفد زار مصر وإنه لعلى البلاد بكل يُمن قد وفدد. نبيل حنفي محمود أهنأ ولى العهد قد نلت المنى بأميرة منها السعادة والولد فالصفو نادى فى الوجود مهنئأ الشمس حلت فى صفا برج الأسد تتجلى أهمية تلك القصيدة فى أمرين، أولهما جزالة الشعر وقوته ونصاعة صوره وأخيلته، ويجيئ الدليل على ذلك من الشطر الثانى فى البيت الثانى والذى نصه كما يلى: (والغصن لما لم يطق نطقا سجد)!، وأما ثانى الأمرين فإنه يتعلق بالدلالة الواضحة لهذه القصيدة وغيرها على التحول الذى ألم بالغناء للوطن فى تلك الحقبة، حيث حل الملك محل الوطن، وتسابق الجميع لتمجيد الملك وأسرته. - مدرسة الإنشاد الكبرى: تتخلق المدارس دوما - كما يثبت التاريخ - حول النجوم فى كل فن ، حيث ينهل التلاميذ من علم وفن النجم، ليزدهر الفن وتنتشر إبداعاته، وللإنشاد الدينى مدرسة ظهرت بمصر أواخر القرن التاسع عشر وبلغت الأوج فى شهرتها فيما بين عشرينيات وأربعينيات القرن العشرين المنصرم، كان مسجد الأمام الحسين - رضى الله عنه - بالقاهرة هو المقر الدائم لتلك المدرسة، وإن كانت قد تنقلت فى أماكن عدة - وحسب مقتضيات الأحوال - كمجالس الذكر ومقار موالد الأولياء من آل البيت - رضى الله عنهم جميعا – والصالحين. وقد قام الشيخ على محمود نجما لتلك المدرسة وزعيما لها فيما بين العشرينيات وحتى رحيله فى عام 1943م، حيث شهدت تلك الفترة ظهور العديد من تلاميذ الشيخ، نذكر من هؤلاء التلاميذ الأسماء التالية: زكريا أحمد - طه الفشنى - عبدالسميع بيومى - كامل يوسف البهتيمى ومحمد الفيومى. لم يقف تأثير الشيخ على محمود عند حدود مدرسة الإنشاد الدينى ممثلا فيما أخذه عنه أصحاب الأسماء السابقة، وإنما امتد ذلك التأثير إلى مدرسة الغناء العربى، حيث أثر عن ملحنين كبار مثل محمد عبدالوهاب التأثر بألحانه فى بعض أعمالهم (محمد فهمى عبداللطيف: الفن الإلهى، ص 62)، ولم تعرف مدرسة الإنشاد الدينى طريق الانحدار إلا عندما شهدت حلقاتها وقوف الأدعياء ضعاف الموهبة من صنائع و سائل الأعلام.

بقلم: نبيل حنفى محمود

عباقرة التلاوة
دار التراث القرآني

ليست هناك تعليقات