Comments System

LightBlog

الشيخ محمد القهاوي .. أجمل الأصوات وأرقها وأعذبها

بسم الله الرحمن الرحيم



سألت الشيخ محمد رفعت مرة قبل وفاته:
- أيّ واحد مِن المقرئين تحب سماعه أنت يا شيخ المقرئين؟. ابتسم الشيخ رفعت يرحمه الله وأجاب ونفس الابتسامة على شفتيه وقال: (لا داعي لهذا الإحراج، إنهم جميعًا مُجيدون). قلت: إذن أيهما تفضل مِن بين الذين انتقلوا إلى رحمة الله؟ هنا اعتدل الشيخ محمد رفعت، وراح يهز رأسه يمينًا ويسارًا، وكأنما قد هزّ السؤال حنينه إلى تلك الأيام البعيدة الجميلة.. أيام زمان، وقال الشيخ رفعت: (كلهم كانوا مُقتدرين على الأداء، ولكل منهم لون، فلا تستطيع أن تفضل واحدًا على الآخر، ولكن أجملهم صوتًا كان الشيخ محمد القهاوي، كان صوته مِن أجمل الأصوات وأرقها وأعذبها وأشدها حنينًا وحنانًا وضراعة). عباقرة التلاوة.. دار التراث القرآني وكانت المرة الأولى التي أسمع فيها اسم الشيخ محمد القهاوي؛ فليست له شهرة الشيخ أحمد ندا أو الشيخ علي محمود، وكانت شهادة الشيخ رفعت وحدها تكفي لمعرفة مدى ما كان يتمتع به مِن موهبة جمال الصوت. ولقد ظهر القهاوي في نفس الفترة التي ظهر فيها الشيخ ندا والشيخ رفعت والشيخ علي محمود وغيرهم من الفرسان، ولكن الليالي الطويلة التي سهرها قضت عليه قبل الأوان؛ فقد كان -يرحمه الله- فنانًا، وكان يعشق الليل، ولم يره أحد في الشارع قبل الغروب، وربح كثيرًا وأنفق ما ربحه في مجالس الأصدقاء، وكان مِن أصدقاء الشاعر حافظ إبراهيم والشيخ البشري، والدكتور محجوب ثابت. وكان المقرئون يرفضون الاشتراك معه في ليلة واحدة؛ فقد كان الجمهور يرفض أن يستمع لأحد بعد الشيخ القهاوي. حدث مرة في حي السلخانة أن قامت معركة في مأتم كان يقرأ فيه الشيخ القهاوي، مات فيها أربعة، ونقلت عربة الإسعاف اكثر مِن عشرة إلى المستشفيات، وكان السبب هو الشيخ القهاوي. وسجل محضر البوليس أن المعركة نشبت لأن أحد الفريقين المتنازعين قال كلامًا اعتبره الفريق الآخر ذمًّا في الشيخ محمد القهاوي. عباقرة التلاوة.. www.3baqera.net ومات الرجل وهو في قمة مجده، وكان وقتئذ في التاسعة والأربعين.. ولم يترك خلفه اسطوانة واحدة تسجل صوته، وكان أداؤه غريبًا كصوته.. يبدأ بطبقة عالية وبإلقاء سريع.. ثم ينتهي إلى عذوبة وطبقة خافتة مع مد طويل عند خاتمة الآية. ومِن الذين يقلدون طريقته اليوم الشيخ محمود علي البنا، مع أن الشيخ البنا -وهو في السابعة والعشرين من عمره الآن- لم تتح له فرصة الاستماع إلى الشيخ القهاوي. وقال لي الشيخ الصيفي وهو يتحدث عن الشيخ القهاوي: (يرحمه الله، إن كل الأصوات التي سمعتها والتي ستسمعها من خشب، وصوته وحده كان من الذهب، ولكن صاحبه انصهر في بوتقة الليالي.. وذاب قبل الأوان).

ـــ ألحان السماء.. أبريل 1959 م
عباقرة التلاوة.. دار التراث القرآني

ليست هناك تعليقات