الشيخ صديق المنشاوي .. عاش حياته كلها لا يساوم على الأجر ولا يتفق عليه
بسم الله الرحمن الرحيم
لم ينل مقرئ في عصره واقليمه من الشهرة مثلما نال الشيخ صديق المنشاوي والد الشيخ محمد صديق المنشاوي مقرئ الإذاعة المعروف. رفض أكثر مِن مرة أن يُذيع رغم العروض المغرية التي عُرضت عليه، وأخيرًا منذ حوالي عامين سافرت بعثة مِن رجال الإذاعة إلى قنا لتسجيل شريط للشيخ المنشاوي.. وقَبِلَ الرجل هذه المرة، وتمت إذاعة الشريط اليتيم له مِن محطة الإذاعة. نشأ الشيخ صديق المنشاوي وعاش في مديرية قنا، وذاع صيته فيها وفي الأقاليم المجاورة، واتصل في شبابه بالشيخ أبوالوفا الشرقاوي فطَرِبَ لصوته وجعله مِن خاصته، ورفض الاشتراك في إحياء الليالي خارج حدود مديريتي قنا وجرجا، وعاش حياته كلها لا يُساوم على الأجر ولا يتفق عليه. عباقرة التلاوة.. دار التراث القرآني حدث مرة قبل الحرب الأخيرة بأعوام -وكان الشيخ صديق يتقاضى جنيهًا واحدًا عن كل ليلة- حدث أنه كان يقرأ في مأتم أحد أعيان قنا، وفي آخر الليل دسّ شقيق الميت بشئ في جيب الشيخ المنشاوي، وانصرف الشيخ دون أن يُلقي نظرة على هذا الشئ، واكتشف الشيخ وهو في المنزل أن الشئ الذي دسّه الرجل في جيبه هو مليم واحد لا غير. وقبل أن يُفكر في هذا الذي حدث، كان الرجل صاحب الليلة يطرق باب الشيخ ليعتذر له عن الخطأ الشنيع الذي وقع فيه؛ فقد كان في جيب الرجل جنيه ذهبي ومليم، وكان ينوي إعطاء الجنيه للشيخ فأخطأ وأعطاه المليم، ولكن الشيخ صديق المنشاوي رفض أن يتقاضى شيئًا فوق المليم قائلاً: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا". وكان للشيخ المنشاوي ولدان أكبرهما هو الشيخ محمد صديق المنشاوي المقرئ المعروف، والثاني كان ذا صوت جميل وموهبة حسنة وكان يقرأ القرآن والتواشيح، وفي ليلة مِن ليالي عام ١٩٣٩ وقّع عقدًا مع إذاعة الشرق الأدنى واستعد للسفر إلى القدس، ولكنه استيقظ عند الفجر؛ فقد استبد به القلق وضايقه الحر ووقف بُرهةً ينظر مِن النافذة في الدور الخامس، ولم تمضِ دقائق حتى شعر بإغماء سقط على أثره من النافذة إلى الشارع فمات لساعته، وفي مأتمه قرأ الشيخ محمد رفعت والشيخ علي محمود وغيرهم مِن مشاهير القراء؛ فقد كانوا جميعًا أصدقاء لوالده الشيخ المنشاوي، وكان الشيخ رفعت يعتبره أستاذًا في التلاوة وصاحب مدرسة فنيّة في التجويد. عباقرة التلاوة.. www.3baqera.net إنه الآن في السبعين مِن عمره، ولا يزال وفيًّا لعهده فلا يقرأ خارج حدود مديريته ولا يُساوم على الأجر ولا يتفق عليه. مرة واحدة فقط هجر اقليمه وجاء إلى القاهرة ليقرأ القرآن ثلاثة أيام متتالية.. حدث ذلك في عام ١٩٤٩، وفي مأتم الشيخ محمد رفعت.
ــ ألحان السماء.. أبريل 1959 م
عباقرة التلاوة.. دار التراث القرآني
التعليقات على الموضوع