Comments System

LightBlog

الشيخ محمد مجد .. مفتي امبراطورية زفتى!

بسم الله الرحمن الرحيم


كتبنا مِن قبل عن الشيخ صديق المنشاوي، وكيف ظل طيلة حياته وفيًا للعهد الذي قطعه على نفسه، فلم يبرح مديرية قنا رغم كل العروض الكثيرة المغرية التي عُرضت عليه.. ونكتب الآن عن رجل آخر لم يغادر إقليمه على الإطلاق، وهو الشيخ محمد مجد مُقرئ المسجد الأحمدي بطنطا، فعلى الرغم من أن شهرة الشيخ مجد قد ذاعت وشاعت في كل مكان، وبرغم العروض الكثيرة السخية التي عُرضت عليه، رفض مغادرة الغربية، وكان يؤكد لأصدقائه أنه يشعر شعورًا صادقًا بأن صوته لن يساعده على القراءة لو غادر رحاب السيد البدوي.

وبالرغم مِن أنه رفض الانتقال بعيدًا عن حدود الغرببة؛ فإن أجره ارتفع خمسون جنيهًا في الليلة الواحدة.. وكان ذلك عام ١٩٢٥.

مرة واحدة اضطر فيها الشيخ محمد مجد إلى مغادرة طنطا ليغيب عنها أيامًا كثيرة، حدث ذلك في عام ١٩١٩، والثورة تجتاح مصر كلها، فقد دُعي الشيخ محمد لإحياء مولد في زفتى، حيث قضى ليلته هناك، وعندما أصبح الصباح كانت المدينة قد عُزِلَت تمامًا، وحوصِرت مِن كل جانب؛ فقد أعلن فيها رجل وطني اسمه "يوسف الجندي" امبراطورية مستقلة سُميت بامبراطورية زفتى! وراحت الدولة الجديدة تُنظم نفسها؛ فعيَّنت الوزراء والمستشارين والقضاة، وأيضًا جُباة الضرائب!.وكان الشيخ محمد مجد هو "مفتي" الدولة الجديدة. عباقرة التلاوة.. دار التراث القرآني لقد جاء الرجل إلى زفتى ليقضي فيها ليلة واحدة، فإذا به يُصبح مفتي الامبراطورية التي نشأت فيها. وقضى الشيخ مجد أيامًا كثيرة عصيبة داخل الامبراطورية الصغيرة يُفتي الناس فتاوى مشرقةً مضيئة، ويدفعهم بفتاواه تلك إلى القتال، وإلى الحرب، وإلى الصمود في وجه الانجليز. ولم ينس الشيخ مجد مهنته؛ فقد راح يحيي الليالي ويقرأ في مأتم الشهداء الذين سقطوا صرعى داخل "الامبراطورية" وحولها، وعندما جاء الجنود الاستراليون ليقتحموا المدينة، ثم بدأت المفاوضات بين ممثلي الامبراطورية وقواد الجيش الذي يُحاصرها.. كان الشيخ محمد مجد ضمن أعضاء وفد امبراطورية زفتى. عباقرة التلاوة.. www.3baqera.net وظل الشيخ في زفتى حتى انتهى الصراع.. وغادرها ونفسه تطفح بالأسى وتغلي بالحقد على الجنود ذوي الوجوه الحمراء الذين كانوا يقتلوا الناس بالرصاص كالذباب. ظل الشيخ وفيًا لتلك الأيام المجيدة مِن النضال والكفاح، فكان يغادر طنطا كل عام ليحيي ذكرى شهداء "الامبراطورية" في زفتى. وعاش الشيخ مجد حتى مات سعد زغلول، فقرأ في مأتمه.. ثم لم يمض شهر واحد حتى مات. وكانت ليالي المأتم الذي أقيم له مظاهرة حافلة.. قرأ فيها الشيخ أحمد ندا، والشيخ علي محمود، والشيخ محمد رفعت، ودُفن الشيخ محمد مجد في زفتى في نفس المقابر التي دُفن فيها مِن قبل شهداء "الامبراطورية" الصغيرة التي كان يعمل لها مفتيًا في أيام مجيدة.

ــ ألحان السماء.. أبريل 1959 م
عباقرة التلاوة.. دار التراث القرآني

ليست هناك تعليقات