الشيخة كريمة العدلية .. من أشهر قارئات القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

ذاع اسم الشيخة كريمة العدلية في مطلع هذا القرن، وفي نفس الوقت الذي كان فيه اسم منيرة المهدية يدوي كالطبل في أنحاء مصر. وأحدث ظهور كريمة العدلية ضجة كبرى في كل الأوساط، فلم يكن قد سبق لإمرأة من قبل أن تُنشد التواشيح والموالد في الليالي، وترتل القرآن في المآتم.. أكثر مِن خمسة عشر عامًا طويلة، ومنيرة المهدية تمثل عرش الطرب، وكريمة العدلية تجلس على عرش الموالد والموشحات. وكان صوتها جميلاً رقيقًا فيه (بَحّة) أشبه بصوت أم كلثوم، قال لي أحد الذين سمعوها أنها كانت تُلهب أعصاب المستمعين بصوتها الحلو الرقيق إلى درجة أن بعضهم كان يُغمى عليه أثناء إنشادها العذب الجميل. وكانت الشيخة كريمة تحتفل كل ليلة خميس بإنشاد الموشحات في بيت مِن بيوت أحد العُمَد الأثرياء، وكان كل الحاضرين يُعجبون بصوت الشيخة كريمة وتهتز نفسهم لها طربًا. عباقرة التلاوة.. دار التراث القرآني وفي ليلة مِن تلك الليالي صعد الشيخ علي محمود إلى الأريكة التي تقف عليها الشيخة كريمة، وأنشد بعدها فأعجبت بصوته، وبطريقته الفذة، وبمقدرته على تلوين الألحان، ومنذ ذلك التاريخ أصبح الشيخ علي صديقًا للشيخة كريمة العدلية، ولم تنس السيدة التي بهرت الناس بصوتها الجميل أنوثتها؛ فقد وقعت صريعة الإعجاب، غير أن الذي كانت تعجب به كان لا يدري، فقد كانت السيدة كريمة فوق الخمسين، وكان هو في حدود الثلاثين، ومنعها كبرياؤها وأخلاقها مِن أن تصارحه، فكتمت شعورها بين ضلوعها أعوامًا.
عباقرة التلاوة.. www.3baqera.net ثم مرضت واعتزلت إحياء الليالي، وذهبت تؤدي فريضة الحج، وعاشت هناك في الأراضي المقدسة أعوامًا ثلاثة، ثم عادت إلى مصر لترى أن كل شئ قد تغير.. وأن منيرة المهدية نفسها قد آذنت شمسها بالمغيب، ولكن شعورها الذي كانت تكنه بين أضلاعها ظل حيًا، ولم يعرف سرها إلا قلة مِن خاصة الأصدقاء. وعندما أنشئت الإذاعة لم يُتح لها أن تشترك فيها؛ فقد كانت في حالة شديدة مِن الضعف. وعندما ماتت كان هذا الذي تعزه بعيدًا عن أرض الوطن.. وماتت دون أن تترك أثرًا يدل عليها فقد عُرض عليها أن تسجل عدة اسطوانات لصوتها -وكان ذلك بعد اعتزالها- فقالت في حزم: "لا، إن صوتي قد ذهب".

ـــ ألحان السماء.. أبريل 1959 م
عباقرة التلاوة.. دار التراث القرآني