الشيخ مصطفى إسماعيل .. لا يهتم بالصحف إلا عندما تنشر صورته
في عام ١٩٣٠ كان الشيخ محمد رفعت يقرأ في طنطا، وعندما كان الشيخ رفعت يسهر في طنطا كان الآلاف من الفلاحين يفدون إلى المدينة مِن قُرى مديريات الغربية والمنوفية والقليوبية ليسمعوه، وكان البوليس يضطر إلى حشد قوة حول السرادق وداخله حتى لا يقع ما لا يُحمد عُقباه.
وقرأ الشيخ رفعت في تلك الليلة كما لم يقرأ من قبل، والناس تستبد بهم الأجواء الرائعة المحلقة التي رفعهم إليها المرحوم الشيخ رفعت.
وعند منتصف الليل أحسّ الشيخ تعبًا، فتوقف عن التلاوة، وفجأة شقّ شاب صغير في الثانية والعشرين مِن عمره طريقه بين الآلاف التي احتشدت في السرادق، وجلس الشاب في ثقة يقرأ القرآن حتى يزول هذا الطارئ الذي ألمّ بالشيخ رفعت، وعندما بدأ الشاب يقرأ تعالت الأصوات تطلب إليه أن يكُف عن تلاوته فليس في الحاضرين أحد على استعداد لأن يسمع صوتًا غير صوت الشيخ رفعت، ثم ما لبثت هذه الأصوات أن خفتت، وران صمت عميق على السرادق.
وعندما انتهى الشاب مِن تلاوته هجم عليه الناس يطلبون إليه أن يُواصل التلاوة حتى الصباح.
وطلب الشيخ رفعت أن يتحدث إلى الشاب الصغير، وعندما وقف أمامه تناول الشاب يد الشيخ فقبلها، ثم قال له الشيخ رفعت: "بارك الله فيك، سينفع بك الله المسلمين"، وعندما انتهى الحديث سأله عن اسمه، فأجاب الشاب في استحياء: "مصطفى إسماعيل".
ومنذ هذه الليلة البعيدة مِن عام ١٩٣٠ لمع نجم الشيخ مصطفى إسماعيل في مدينة طنطا.
عباقرة التلاوة.. دار التراث القرآني
وفي عام ١٩٤٢ هجر الشيخ مصطفى طنطا إلى القاهرة، وفي شارع الموسكي دَخَل بيتًا عتيقًا ودفع جنيهًا واستلم إيصالاً وأصبح عضوًا في إتحاد تضامن القراء.
وقُدِّمَ الشيخ مصطفى إسماعيل للناس عن طريق الإذاعة عام ١٩٤٦ وفي تلك الليلة قفز أجر الشيخ مصطفى إسماعيل إلى خمسين جنيهًا في الليلة، ثم مائة حتى وصل إلى مائتين مِن الجنيهات.
ويعيش الشيخ مصطفى الآن عيشة رغدة، ويقضي جانبًا مِن الشتاء في الأقصر مع أصحاب الملايين، وجانبًا مِن الصيف على شاطئ البحر في بورسعيد.
إن أول أجر تقاضاه الشيخ مصطفى كان خمسة عشر قرشًا في الليلة، وكان ذلك في عام ١٩٢٥، وفي عام ١٩٥٢ تقاضى مئتين وخمسين جنيهًا في ليلة.
عباقرة التلاوة.. www.3baqera.net وصوته هو أجمل صوت بين المقرئين، بل هو أجمل صوت بين المطربين أيضًا، إن صوته أجمل مِن صوت عبدالوهاب وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ ومحمد قنديل، إنه صوت مِن ذهب، ولو أن الشيخ مصطفى اتجه إلى الغناء مثلاً لكان أعظم مغني أوبرا في العصر الحديث، ولكان أعظم مِن كاروزو نفسه، ولولا أن صوته (يضيع) في طبقة القرار لكان الشيخ مصطفى هو صاحب أجمل وأحلى وأقوى صوت في الوجود، فليس لصوته نظير في الطبقات العليا، وهو (أسطى) يُدرك سر المهنة، وصاحب طريقة فذة في القراءة فرضت نفسها على العصر كله، وأجبرت كل المقرئين على تقليدها، وهو إمام المقرئين باعتراف جميع المقرئين، ولكن عيبه الوحيد هو عدم الإطلاع؛ فالشيخ مصطفى لا يقرأ ولا يهتم بالقراءة، وفي منزله بيانو فاخر وليس فيه كتاب، وهو لا يبدي إهتمامًا بالصحف إلا عندما تنشر صورته او قصيدة مدح فيه!! وهو يكره الثقافة والمثقفين، ولكن به ضعف شديد نحو أصحاب الجاه وأصحاب النفوذ، ولذلك تسمعه في أحسن حالاته عندما يقرأ في حفل رسمي أو في بيت ثري مِن أثرياء الريف، ولعله أشهر مقرئ في الوقت الحاضر، وشهرته تدوي كالطبل في جميع أنحاء العالم العربي، من المحيط إلى الخليج.
وجميع مقرئي إذاعات طنجة وتطوان والرباط وتونس وطرابلس وبنغازي يقلدون طريقته، وهو نفسه زار هذه البلاد كلها، وسجل لإذاعاتها، ولكنه لم يهتم بشئ هناك إلا الإذاعة والتسجيل، وفي تونس -مثلاً- قضى الشيخ مصطفى شهرًا هناك لم يلتق فيه بأحد من علماء تونس، ولم يذهب مرة واحدة إلى جامع الزيتونة، أشهر وأعظم جامعة إسلامية بعد الأزهر.
ولكن الشيخ مصطفى رغم ذلك كله يعتبر إمام المقرئين وصاحب أجمل صوت في الوقت الحاضر، ولعل دولة المقرئين لن تشهد في المستقبل صوتًا على هذا المستوى الرفيع، والشيخ مصطفى يستطيع أن يقرأ عشر سنوات أخرى بنفس القوة والجمال، قبل أن تأذن شمسه بالمغيب، ولكن مكانه سيبقى شاغرًا بعد ذلك وإلى عهد طويل!!.
ـــ ألحان السماء.. أبريل 1959 م
عباقرة التلاوة.. دار التراث القرآني
التعليقات على الموضوع