الشيخ محمد الصيفي .. أبو المقرئين
بسم الله الرحمن الرحيم
ثلاثة فقط من المقرئين الذين على قيد الحياة ظهروا مع بداية العصر الذهبي لدولة التلاوة، المشايخ: محمد سلامة ومحمد الصيفي وعبدالفتاح الشعشاعي، وكان الشيخ الصيفي أولهم في الظهور.. إذ ذاع صيته بعد الشيخ أحمد ندا، والشيخ علي محمود.. وفي نفس الوقت الذي ذاع فيه اسم الشيخ محمد رفعت.
نشأ الشيخ الصيفي في حارة واحدة مع الشيخ ندا والشيخ سلامة والشيخ علي محمود، وسكن الحارة بعد ذلك مقرئ آخر هو الشيخ طه الفشني، وعندما لمع اسم الشيخ الصيفي كان الشيخ ندا يتقاضى جنيهًا كاملاً عن كل ليلة.
كان ذلك عام ١٩١٥.. والحرب العظمى ناشبة.. وموجة مِن الافلاس تدمر بيوت تجار القطن ومُلاك الأرض، وكان الشيخ محمد رفعت يتقاضى في ذلك الوقت خمسين قرشًا عن كل ليلة، وكذلك الشيخ الصيفي.
وعندما ارتفع أجر الشيخ ندا ارتفع أجر كل المقرئين، فأصبح الشيخ الصيفي يتقاضى عشرة جنيهات عن كل ليلة في عام ١٩٣٧ وكان أحد أربعة مقرئين أحيوا ليالي مأتم الزعيم سعد زغلول والملك فؤاد، وكان هو المقرئ الوحيد الذي رفض أن يقرأ في قصر فاروق في أشهر رمضان الخالية.
وذهب إليه ناظر الخاصة الملكية ليستفسر منه عن سبب الرفض، وأجاب الشيخ الصيفي بأن صحته لا تساعده، وقال ناظر الخاصة: (ولكن مولانا يُحب أن يسمعك)، ورد الشيخ الصيفي في هدوء: (ولكني أقرأ في الراديو ويستطيع مولانا أن يسمعني جيدًا).
وعندما مات الشيخ علي محمود وكان مقرئ المسجد الحسيني، أصبح الشيخ الصيفي مقرئًا للمسجد المذكور. وكان للشيخ الصيفي رأيًا في القراء، ولكنه كان يحتفظ به لنفسه ولا يُعلنه على الناس. عباقرة التلاوة.. دار التراث القرآني قال لي مرة أن أعظم الأصوات التي سمعها في حياته، هو صوت الشيخ محمد القهاوي والشيخ منصور بدّار، ويأتي بعدهما الشيخ مصطفى إسماعيل. سألته: (ومحمد رفعت؟)، فقال على الفور: (صوت محمد رفعت لم يكن كبقية الأصوات تجرى عليه أحكام الناس، لقد كان هبة السماء). والشيخ الصيفي ظل صديقًا للمرحوم الشيخ محمد رفعت حتى مات، وكان هو الوحيد مِن المقرئين الذي لازمه أربعة أيام كاملة قبل أن يموت. عباقرة التلاوة.. www.3baqera.net وربح الشيخ الصيفي كثيرًا، وأنفق كل ما ربحه على أبنائه وعلى الأصدقاء، وله ابن يعمل مخرجًا في السينما، هو الأستاذ حسن الصيفي. وعاش ومات في نفس الحارة التي نشأ فيها مع الشيخ ندا، والشيخ علي محمود، والشيخ محمد سلامة. وفي حجرة الاستقبال بمنزله صور كل هؤلاء الأعلام، ومعها أيضًا صورة المرحوم الشيخ سيد درويش، وقال لي الشيخ الصيفي وهو يتأمل الصورة جيدًا: (هذا الرجل -يقصد سيد درويش- أحدث انقلابًا في فن الموسيقى، وهذا الرجل أيضًا -يقصد الشيخ علي محمود- أحدث انقلابًا آخر في فن الموشحات). ولقد مات الشيخ الصيفي في السبعين من عمره.. وقبل ذلك اعتزل إحياء الليالي.. واكتفى بقراءة سورة الكهف في مسجد الإمام الحسين، ولقبه في دولة التلاوة "أبو المقرئين".
ـــ ألحان السماء.. أبريل 1959 م
عباقرة التلاوة.. دار التراث القرآني
التعليقات على الموضوع