الشيخ علي محمود .. إمام المنشدين
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يستطع واحد من القراء الذين ظهروا مع الشيخ أحمد ندا على كثرة من ظهروا معه أن يَشُق طريقه إلى الشهرة والنجاح إلا رجلاً واحدًا أسمر اللون قصير القامة اسمه الشيخ علي محمود..
وكان الشيخ علي محمود -على غير العادة- مِن أسرة ثرية، ولكنّ حادثًا غير سعيد جعل الأسرة الثرية تدفع بابنها إلى الكُتّاب ليحفظ القرآن؛ فقد وُلِدَ الشيخ علي محمود ضريرًا.
ووجد الشيخ علي محمود بذكائه أنه لن يستطيع منافسة الشيخ ندا في ميدان التلاوة، فاتجه إلى إنشاد القصائد والتواشيح، وكان يُلحن القصائد بنفسه، وكانت ألحانه ينقلها الملحنون فلا تلبث أن تُنشر وتذاع.
عباقرة التلاوة.. دار التراث القرآني
وكأن القدر قد اختار لمصر في هذه الفترة بالذات أعظم عباقرة النغم: سيد درويش وعلي محمود وكانا صديقين.
كان سيد درويش يبكي عند سماع قصيدة الشيخ علي محمود (بدر تجلى في الأفق)، وظل الشيخ علي محمود يبكي كلما سمع سيد درويش بعد وفاته حتى مات.
سُئل سيد درويش مرة عن رأيه في الشيخ علي محمود، فأجاب على الفور إنه عبقري وسِيد مَن أنشد ولحن القصائد والتواشيح.
وظل الشيخ علي محمود خلال حياته الطويلة يُنشد ويتلو القرآن دون أن يتفق على الأجر، وكان بيته ندوة للفنانين ومشاهير عصره، وكان يُشجع صِغار المنشدين ويقدمهم للناس، وكان من تلاميذه الشيخ طه الفشني.
ولكن الشيخ علي محمود كان يعتز بتلميذ له ويتنبأ له بمستقبل باهر، ولقد تحقق ظن الشيخ في تلميذه، وامتد العمر به حتى رأى أمنيته وقد أصبحت حقيقة واقعة.. هذا التلميذ الذى تنبأ له الشيخ علي محمود بالمجد هو شيخ الملحنين في الوقت الحاضر الشيخ زكريا أحمد، الرجل الذى اكتشف وقدّم للعالم العربي سيد درويش وأم كلثوم.
عباقرة التلاوة.. www.3baqera.com
وكان الشيخ زكريا قارئًا في بداية حياته، ثم عَمِلَ مع الشيخ علي محمود في بطانته يُنشد معه التواشيح والإبتهالات والقصائد الدينية، ثم هجر هذا العمل بعد ذلك واتجه إلى التلحين، ولم تمضِ سنوات حتى أصبح شيخ الملحنين عن جدارة.
والشيخ علي محمود أستاذ الشيخ زكريا هو أول مَن عَلَّمه أن الصوت شكل واللحن مضمون، فإذا كان المضمون جميلاً فالمستمع لن يهتم كثيرًا بالشكل، ويستطيع الملحن الموهوب أن يخلق مِن الصوت القبيح صوتًا جميلاً تتهافت على سماعه كل الأذان.
واللحن الجميل في رأى الشيخ علي محمود هو اللحن الصادق البسيط.. فبقدر بساطته وصدقه يكون جماله.
ومِن تلاميذ الشيخ علي أيضًا محمد عبدالوهاب، ففي بداية حياته الفنية كان يعرض ألحانه على الشيخ، وكل ألحان عبدالوهاب القديمة الجميلة استمع إليها الشيخ قبل أن يستمع إليها الناس، وكان يُبدي فيها رأيه، وكان عبدالوهاب دائمًا يقتنع بهذا الرأى، وكان بابه مفتوحًا لكل المواهب الجديدة، وكانت ندوته أشبه بصالون أدبي وفني، يلتقي فيها العباقرة والمرشحون للمجد والعيدان الخضراء التي تجاهد في سبيل النمو والبقاء.
(هذا المقال من موقع عباقرة التلاوة)
سمع الشيخ علي محمود ذات مساء مِن عام 1918 شابًا صغيرًا يقرأ القرآن فارتعد بدنه كله، وانتابته نوبة شديدة مِن البكاء، وعندما أخبروه أن الشيخ الصغير ضرير قال والعبرات تخنقه: (سيكون له شأن عظيم)، وعاش الشيخ علي محمود حتى أصبح للشيخ الصغير شأن أعظم مما تنبأ به الشيخ علي.. شأن فاق كل القراء حتى الشيخ أحمد ندا والشيخ علي محمود، وكان الشيخ الصغير الذي بكى لصوته الشيخ علي محمود في مساء 1918 اسمه مُحمد رفعت.
ــــ ألحان السماء.. أبريل 1959 م
عباقرة التلاوة.. دار التراث القرآني
التعليقات على الموضوع