Comments System

LightBlog

الشيخ أحمد ندا.. مؤسس دولة التلاوة

بسم الله الرحمن الرحيم


شهد مطلع القرن الحالي نهضة لم يسبق لها مثيل في فن الطرب والغناء.. كان هناك الشيخ سلامة حجازي وعبده الحامولي ومنيرة المهدية ثم جاء الشيخ سيد درويش.
ولم يكن في مصر راديو، كانت السهرات وقفًا على العُمد والأعيان وتُجّار القطن.. وكانت لياليهم يحيها لهم أولاد الليالي من المنشدين.. وهم جامعة من المشايخ كانوا أحيانا يرتلون القرآن و أحيانًا أخرى يُنشدون التواشيح.. لم يكن قد أصبح للتلاوة دولة.. وكان سعر المقرئين أرخص من التراب.
وفجأة برز إلى الوجود رجل مُعمم يُرتل القرآن بصوت لم يكن مألوفًا من قبل، صوت فيه تطريب وفيه حلاوة وفيه طلاوة.. وكان الرجل اسمه الشيخ أحمد ندا..
عباقرة التلاوة.. www.3baqera.net
عندما ظهر الشيخ ندا أصبحت للتلاوة دولة تنافس دولة الفن وأصبح لها جمهور يفوق جمهور كل المطربين مجتمعين، وارتفع أجر الشيخ ندا من جنيه في الليلة الواحدة إلى عشرة جنيهات وعشرين وثلاثين.. ثم إلى خمسين جنيهًا في ذلك الزمان، وأصبح للشيخ ندا «فيتون» ككبار المُلاك والأثرياء وتُجار القطن.

حدث مرة أن دُعي الشيخ أحمد ندا إلى إحياء ليالي مأتم المرحوم محمود باشا عبدالرازق، وتم الإتفاق على مائة وخمسين جنيهًا وعندما انتهى الشيخ ندا من إحياء الليالي الثلاث دفع الوسيط مائة جنية فقط، ورفض أحمد ندا أن يتنازل عن مليم واحد من المبلغ المتفق عليه وعدد برفع الأمر للقضاء.. ولم تمضِ أيام قليلة حتى علم حسن باشا عبدالرازق فقدم له المبلغ كاملاَ.. وقدم له أيضًا اعتذراه الكامل، وكل الترضيات الممكنة.
عباقرة التلاوة.. دار التراث القرآني
وعاش الشيخ ندا حياة حافلة وفتح الطريق أم الذين جاءوا من بعده.. وعندما مات خرج عشارات الألوف من الناس يشيعون جنازته.. وعلى رأسهم كبار رجال الدولى وبعض ممثلي الدول الإسلامية ورثاه حافظ إبراهيم بقصيدة، وكتب عنه الشيخ البشري يقول: «كان صوته سيد الأصوات وأقواها وأنه ليكون في أعلى طبقات الصوت حتى ليخيل إليك أن شرايين رأسه ستنفجر فإذا هو يحوم حول طبقى أعلى، فلا يزال يلتمس إليها الوسائل وينصب لها الشباك والحبائل حتى يشكلها فيرسل بها إلى عنان السماء».

ولم يكن أحمد ندا مقرئًا للقرآن فحسن، بل كان فنانًا، وصديقًا لتلك الصفوة المُختارة من رجال الفن والأدب والعلم الذين شهدهم مطلع القرن العشرين، فكان الشيخ ندا صديقًا لمحمد البابلي ومحجوب ثابت والبشري وحافظ إبراهيم.. وكان يقرأ لهم في آخر الليل عندما كانوا يجتمعون معًا في فيلا البابلي الأنيقة التي شيدها خصيصًا لأصدقائه وليالي الأنس، ولم يكن البابلي من هؤلاء الذين تهتز نفوسهم خشوعًا للقرآن، ولكنه كان يبكى إذا سمع الشيخ ندا يقرأ في ساعات السَحَر.

كان أحمد ندا يقرأ ذات ليلة «وبشر الذين كفروا بعذاب أليم» فقام البابلي يصرخ ويبكي واعتكف بعد ذلك أسبوعًا لا يرى أحدًا ولا يراه أحد !!
وكان الشيخ ندا يمتاز بصوت قوي، حتى لقد اقترح عليه محمد البابلي أن يُجرب حظه في عالم الطرب، ولو أخذ ندا بنصيحة محمد البابلي لأعاد مجد سي عبده الحامولي ومحمد عثمان!
ولكن أحمد ندا كان يقرأ القرآن هاويًا في الدرجة الأولى، ومُحترفًا بعد ذلك، وكان مفتونًا بصوته، يحلو له عندما يخلو إلى نفسه أن يستمع إلى صوته مُسجلاً على اسطوانه، ثم لا يجد حرجًا بعد ذلك في إطراء صوته العبقري.. وكان أحيانًا ينحني على الأسطوانة فيقبلها مزهوًا: «يا حلاوة يا شيخ أحمد!!»

ولقد عاش طويلاً، ثم مات - يرحمه الله - بعد أن وضع حجر الأساس في بناء دولة التلاوة التي ظلت تزدهر بعد ذلك حتى ظهر من رجالها أعلام ذاع صيتهم حتى غطى على سيرة الشيخ أحمد ندا.

"ألحان السماء.. أبريل 1959 م"

عباقرة التلاوة
دار التراث القرآني

ليست هناك تعليقات