Comments System

LightBlog

الشيخ محمد سلامة كان يرى نفسه أعظم قراء عصره

بسم الله الرحمن الرحيم


كان خادم القرآن الكريم فضيلة الشيخ محمد سلامة من الرواد الأوائل في دولة التلاوة باعتباره صاحب مدرسة متميزة في تلاوة القرآن الكريم، ويُعد من أجمل وأقوى الأصوات التي أكرمها الله بتلاوة آي الذكر الحكيم؛ فهو قيثارة ربانية تشد أذان المستمعين بجاذبية شديدة إلى عالم رحب فسيح لتسبح بحمد الله وتتأمل قدرته، ولذا كان الشيخ سلامة يرى نفسه أعظم قراء عصره، الأمر الذي حال بينه وبين الانتشار، ويُجمِع كبار السميعة -أو يكادوا- على أن الشيخ كان شخصية غريبة الأطوار يأخذ نفسه بالشدة، ويتَّبع أسلوبًا صارمًا في حياته الخاصة والعامة إلى حد أنه رفض التعامل مع الإذاعة إلا بشروط وأهمها ألا تقدمه مذيعة، وأن تسبق تلاوته وتعقبها تواشيح دينية، وحتى عندما قَبِل التعامل مع الإذاعة في أعقاب اندلاع ثورة يوليو المجيدة عام ١٩٥٢ لم يستمر تعامله معها سوى شهور قليلة بسبب اعتراضه على زج المشايخ في طابور أمام خزينة الإذاعة لصرف مستحقاتهم المالية، وهذا الطابور يضم فنانة أو مطربة، ولذا أصر على عدم الذهاب للإذاعة مرة أخرى، وأوقف تعامله معها بعد أن لقَّن المسئول درسًا في كيفية معاملة حملة كتاب الله.


والواقع أن ظهور الإذاعة يُعد نقطة تحول بالسلب في مسيرته بدولة التلاوة، فقد كان الشيخ محمد سلامة بالفعل أعظم مَن قرأ القرآن الكريم في عصر ما قبل ظهور الميكروفون.


عاش الشيخ محمد سلامة سالم ۸۳ عامًا منذ خروجه للحياة بمنطقة مسطرد بالقليوبية في (١٨٩٩/٦/١) وحتى رحيله بالقاهرة في (١٩٨٢/٨/١) وما بين مولده ورحيله حرص والده -وكان إمامًا لمسجد الحى- على تحفيظه القرآن الكريم وتجويده في سن مبكرة قبل إلحاقه بالأزهر، وفي الأزهر قطع الشيخ سلامة شوطًا كبيرًا من الدراسة قبل أن يشارك في أحداث ثورة ۱۹۱۹ ويُصاب بطلق ناري في فكه الأسفل أسقط بعض أسنانه، وبعدها انقطع عن مواصلة الدراسة في الأزهر، واتجه لقراءة القرآن الكريم في سرادقات المآتم والمناسبات الدينية حتى ذاع صيته في مختلف أنحاء مصر، إلى أن اختير قارئًا للسورة بمسجد السيدة فاطمة النبوية رضي الله عنها بحي الدرب الأحمر بالقاهرة خلفًا للشيخ محمد الصيفي الذي انتقل قارئًا للسورة بمسجد الإمام الحسين بعد وفاة الشيخ علي محمود، وظل الشيخ سلامة بمسجد السيدة فاطمة النبوية على امتداد أربعة عقود (١٩٤۳-١٩٨٢)، وعندما اندلعت ثورة يوليو ١٩٥٢ شكّل الشيخ سلامة ما عرف باسم «الاتحاد العام للقراء الأحرار» لبحث ما يمكن تقديمه من القراء المؤازرة للثورة إبان تلك الفترة ما بين نهاية عام ١٩٥٢ وبداية عام ١٩٥٣ عندما انضم للإذاعة لعدة شهور سجل خلالها تسجيلين فقط مدة كل منهما ٥٠ دقيقة قبل أن تنقطع صلته بها، جدير بالذكر أن الشيخ سلامة كان يتفوق على أقرانه في قدرته على مواصلة القراءة لمدة تصل إلى أربع ساعات أو أكثر، الأمر الذي جعل الشيخ مصطفى إسماعيل يستاء كثيرًا إذا ما جمعته الظروف مع الشيخ سلامة في ليلة واحدة، ولذا كانت الليلة الختامية لاحتفالات مولد السلطان أبوالعلا بمسجده ببولاق من كل عام تخصص للشيخ سلامة منفردًا ليسعد مستمعيه بما يتيسر من آيات الذكر الحكيم.


تميز الشيخ محمد سلامة بشخصية قرآنية قلما يجود الزمان بمثلها باعتباره صاحب مدرسة في التلاوة وأيضًا صاحب أسلوب حاد وحضور طاغ في دولة التلاوة، وعلى الرغم من توارى اسمه مبكرًا -في حياته- إلا أنه ظل حتى سنواته الأخيرة من حياته يمتلك القدرة على الأداء القوي المبهر.


ولعل الذين شاركوا في مأتم عمنا الشيخ مصطفى إسماعيل في الأسبوع الأخير من ديسمبر عام ١٩٧٨ مازالوا يذكرون تلاوته في تلك الليلة حيث قرأ وكأنه شاب في ريعان الشباب مؤكدًا على أن مدرسته القرآنية سوف تظل إلى يوم الدين مدرسة العطاء بلا حدود لخدمة القرآن والإخلاص للقرآن.. جدير بالذكر أن الشيخ محمد عكاشة توفي في ١٩٨٢/٨/٢ وهو اليوم التالي لوفاة الشيخ محمد سلامة.
رحمهما الله رحمة واسعة، وأسكنهما فسيح جناته، جزاء ما قدما لكتاب الله تعالى.


المقال من كتاب عباقرة التلاوة في القرن العشرين

للكاتب الصحفي/ شكري القاضي


عباقرة التلاوة دار التراث القرآني

ليست هناك تعليقات