Comments System

LightBlog

القفل على المد العارض للسكون بمقامات مختلفة | الشيخ محمود علي البنا | إنتاج عباقرة التلاوة


بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة الأحباب مُتابعي شبكة عباقرة التلاوة
يُسعدنا أن نقدم لكم هذا المقال المُميز حصريًا

كَتب عبدالرحمن الطويل (فريق عمل عباقرة التلاوة)

"ذكرى مَولد الشيخ محمود علي البنا"
في ذكرى مولده الحادية والتسعين، أطمح إلى حديث غير صحفي عنه لشَغل المناسبة، وتناول غيرِ مكرور لشيء مِن خصائص أسلوبه، يُكسبُ الحديثَ قيمةً مُضافة. أشرتُ في مقالي السابق عن الشيخ محمود علي البنا في ذكرى وفاته إلى عدد مِن سمات أدائه التي رصدتُها بالاستماع وبالتسمُّع، أقف اليوم عند اثنتين منها بمزيد الفحص وجديد التمثيل، تبيانًا وكشفًا لقيمتها في البناء الهندسي لأسلوب التلاوة. أقف هنا عندي خصيصتيْ (القفل على المد العارض للسكون) و (اشتقاق القفلات بعضها من بعض)، وكم تحتاجان إلى كثير كلام، وكنتُ أشرتُ إليهما في المقال السابق عبورًا لا يُسمن ولا يُغني، وأنا اليوم أحاول الإغناء، وأستغني بالله إليه.
* القفل على المد العارض للسكون *

المد العارض للسكون، هو المد العارض على حرف المد الطبيعي (الصائت) بسبب سكون الحرف (الصامت) بعده للوقف عليه، مثل مد الياء من كلمة (ألرحيم) بسبب سكون الميم للوقف عليه، فيُجيز الأداءُ المُتلقَّى عن الأشياخ مَدَّهُ حركتين وأربعًا وستًا، ولو لم يُوقَف عليه لم يجُز فيه إلا مَدُّهُ الطبيعي حركتين لا أكثر.
وليس المد العارض للسكون بموطن قَفل مُشتهر عند أكثر القراء، لأن القارئ محتاجٌ في القفل إلى القَطعْ لا المد، لما في القطع مِن حَسم النغمة وهو خصيصة القفلة التي تُطرب المُستمع، فيسهل على كل قارئ القفل على مثل (يوسف) و (عليكم) و (المُحرم) وهي أمثلة للمقطوع بالحرف الصامت، ومثل (حديثا) و (سِراعا) و (نفسي) و (رسولي) وهي أمثلة للمقطوع بالحركة الصائتة، أي بحرف المد المقطوع بعد حركتين وجوبًا لعدم جواز مده أكثر من ذلك. أما القفل على المد الذي يليه سكون، فيحتاج إلى شَغل مساحته بجملة نغمية تُناسب مساحة حركاته، وتُشعر السامع بالحسم خلال المد، لضعف الساكن بعده عن الاستقلال به، كالوقف على (العالمين) و (يؤمنون) و (الحساب). بمزيد من التوضيح لهذه الفكرة - لكن باصطلاح اللسانيين، يحتاج القارئ إلى القفل على مقطع قصير ممدود مثل (ثا) الذي تنتهي به (حديثا) و (لي) الذي تنتهي به (رسولي)، أو مقطع متوسط مثل (سُف) الذي تنتهي به (يوسف) و (كُم) الذي تنتهي به (عليكم)، ليُشعر السامع بحسم النغمة واكتمال القفلة. أما القَفل على المقطع الطويل مثل (ساب) الذي تنتهي به (الحساب) فيُصعب على القارئ الحسمَ إلا أن يُجريَهُ قبله وفيه، ومعنى أن يحسم فيه أن يُحدث في المقطع الطويل جملة نغمي قصيرة تٌقنع السامع أن الجملة النغمية الطويلة التي شغلت الآية كلها من المنطقي أن تنتهي هنا. وأحسبُ من المفيد هنا أن أقول إن هذه الصعوبة لا تطرأ على القرائ والمنشدين فحسب، بل طرأت على كبار الملحنين أيضًا، وكان محمد القصبجي رائدًا في تلحين القفلات على المدود باصطناع الجمل الطويلة الدسمة في داخلها، مثل قفلة (أقابله ع البعد وأضمه وأشكي إليه) في أغنية (يا قلبي بكرة السفر) وقفلة (أنعم عليه بالوصال) في أغنية (رق الحبيب). على أن مساحة الاصطناع المتاحة للملحن، والارتجال المتاحة للمطرب، غير متاحة للقارئ المحكوم بسِت حركات طبيعية، فكان عليه أن يصنع قفلة ممدودة في مساحة الحركات الست أو أقل منها، وهو ما كان يفعله الشيخ البنا بجُمل سهلة رشيقة شافية في مواضعها، وقد عددتُ له ثمانيةً وعشرين قفلة على المد العارض للسكون، انتظم استعماله لها في عموم تسجيلاته، وأعرف كثيرًا غيرَها مما غاب عني موضعه من التسجيلات، لكني أجدها كافية لبيان فكرة هذه النقطة، والبناء عليها في النقطة التي تليها، وأعرضها هنا مقسمة بحسب مقاماتها الأساسية. مقطع مُدته 15 دقيقة يوجد به المقامات (بياتي - صبا - عجم - حجاز - رست - سيكاه) مُرتبة ومرقمة بشكل يخدم توضيح فكرتنا التالية.

*اشتقاق القفلات بعضها من بعض*
تأسيسًا على المقاطع السابقة يمكننا أن نتناول هذه الخصيصة، فبعض القفلات التي عرضتها هذه المقاطع مُشتق مِن بعضِها الآخر، بمزيد من الصنعة أكسبه صورة مستقلة عند المستمع، وقد وجدتُ أن تطوير القفلة من القفلة سلك به الشيخ خمسَة طُرق:- الأولى : زيادة المد، كأن تكون القفلة الأولى مُناسبة لمد الحركتين فيزيد المد فيها ليُناسب بها الأربع والست. الثانية: التعريب والزخرفة، أي إحداث عُرب وزخارف في القفلة لم تكن موجودة في صورتها البسيطة. الثالثة: المُناظرة، أن يُناظر ببناء قفلة على مقام بناء قفلة على مقام آخر، مناظرة في البناء الأساسي دون الطبقة والشكل النهائي، والمقام طبعًا. الرابعة: زيادة وحدة نغمية من وحدات تكوين القفلة في صورتها الأصلية. الخامسة: تحويل النغمة الأخيرة منها إلى طريق مختلف. وبالتطبيق على القفلات السابقة نجد أن: بياتي2 من بياتي1 بالمد،
وبياتي3 من بياتي2 بالتعريب، وحجاز1 من بياتي3 بالمناظرة، ورست6 من رست1 بالتعريب، ورست 3 من رست6 بمزيد التعريب، ورست7 من رست3 بمزيد مزيد التعريب، وصبا1 من صبا8 بالمد والتعريب، وصبا3 من صبا5 بزيادة وحدة، وصبا6 من صبا2 بالمد والتعريب، وصبا7 من صبا2 بالمد وتحويل النغمة، وصبا8 من صبا2 بتحويل النغمة. وهناك أمثلة أخرى لتحويل النغًمات في القفلات المحسومة (غير الممدودة) إلا أن تتبعها يحتاج إلى وقت مديد وجهد جهيد، وبالجملة فهذان الملمحان اللذان وقفتُ عندهما في هذا المقال أرى أن حقهما يستوجب مزيدًا من البحث والدرس والتمثيل، لكني أعد هذا المقال فاتحةً نمط جديد من الدراسة لأساليب القراء أرجو أن أوفقَ للسير عليه. وعملية اشتقاق القفلات من بعضها البعض تفتح بابًا أوسع لدراسة خصيصة أخرى من المؤكد أنها موجودة عند معظم القراء، وهي اشتقاق النقلات من بعضها البعض، لكن طريق هذه أطول في البحث وأوعر، وبشكل مُجمَل فهذا الفن الشريف غير مدروس بالطريقة التفصيلية التي تُوقِف على دقائقه وتوصل إلى حقائقه، وليس هذا البحث إلا بذرة صغيرة في جانب واحد مِن بُستان واحد من بساتين، يهدي الله إلى سُبلها من بشاء.

إعداد وتقديم/ فريق العمل عباقرة التلاوة .. دار التراث القرآني

هناك تعليق واحد: