Comments System

LightBlog

في ذكراه .. الشيخ عبدالباسط عبدالصمد - سفير القرآن


بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة الأحباب مُتابعي شبكة عباقرة التلاوة
يُسعدنا أن نقدم لكم هذا الموضوع الجديد

عبد الباسط عبد الصمد.. سفير القرآن
لم يحقق قارئ مصري شهرة عالمية كمثل ما حقق الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد، ابن مركز أرمنت بقنا، الذي دوى صوته في أرجاء الدنيا، وزار أكثر من مائة دولة، فاستحق بذلك أن يكون سفير القرآن الأول، وعلمًا بارزًا من أعلام دولة التلاوة المصرية العتيدة. قبل أن يتم عشر سنوات، حفظ الطفل عبد الباسط القرآن في كتاب قريته المراعزة، كما تعلم أحكام التجويد، وبقي له أن يتلقى علم القراءات، ليكون قارئًا متمكنًا، فأشار عليه العارفون أن يرحل إلى طنطا، ليدرس القراءات على يد العلامة محمد سليم حمادة، وبدا الأمر صعبًا، أن يسافر طفل في ذلك الوقت من أرمنت في أقصى الصعيد، إلى طنطا في وسط الدلتا، ورغم ذلك قرر عبد الباسط أن يرحل لطلب القراءات، لكن المقادير ادخرت له مفاجأة عظيمة، فقبل سفره بليلة واحدة، وصل الشيخ محمد سليم حمادة إلى أرمنت، وقرر الإقامة بها، فاستقبله أهلها استقبالًا كريًما، وأقاموا له دارًا لتعليم القرآن والتجويد والقراءات، وبالطبع كان عبد الباسط أول تلاميذه. وكانت الانطلاقة الكبرى للقارئ الشاب، حينما زار القاهرة عام 1950، أثناء الاحتفال بمولد السيدة زينب الذي يحييه فطاحل القراء، لكن إمام المسجد الشيخ علي سبيع أمسك بالميكروفون، وقال: أقدم لكم قارئًا من الصعيد، فتردد عبد الباسط، الذي لم يجاوز وقتها 23 عامًا، فقال له سبيع اقرأ عشر دقائق فقط، فبدأ الشيخ الصاعد التلاوة: “إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما” فاهتزت جنبات المسجد بصيحات آلاف المستمعين المستحسنين، وامتدت التلاوة ساعتين.
وبعد هذا النجاح المدوي، طلب الشيخ علي الضباع، شيخ عموم المقارئ من عبد الباسط أن يلتحق بالإذاعة، فاعتمد بالفعل عام 1951. وقد كان التحاق عبد الباسط بالإذاعة سببًا للإقبال على شراء أجهزة الراديو، من أجل الاستماع إليه في موعده الأسبوعي مساء كل سبت.


بعد أشهر من اعتماده إذاعيًّا، بدأ عبد الباسط أولى رحلاته إلى الخارج، حيث سافر إلى السعودية بصحبه والده لأداء فريضة الحج، وسجل هناك عددًا من التلاوات في الحرم المكي، ومن بعدها لم تتوقف رحلات الشيخ لتلاوة القرآن خارج مصر، فزار كل الدول العربية والإسلامية، وقرأ في كل المراكز الإسلامية والمساجد الكبرى في العالم، وحرصت دول كثيرة على دعوته أكثر من مرة، فتكررت زيارته لها، مثل الكويت التي زاها 12 مرة. اتسمت زيارات عبد الباسط للخارج بالاستقبالات الرسمية والشعبية المهيبة، وباحتشاد عشرات الآلاف للاستمع إليه، ففي باكستان، استقبله رئيس الدولة على سلم الطائرة، وفي الرباط طلب منه الملك محمد الخامس أن يطلب ما يشاء مقابل الإقامة الكاملة في المغرب، وعندما زار إندونيسيا اختارت الحكومة أكبر مساجد العاصمة جاكارتا ليقرأ فيه عبد الباسط، لكن المسجد ضاق بالآلاف المحتشدة، وامتد الزحام خارجه ليملأ كيلو مترًا مربعًا. وفي سوريا، أقيمت استقبالات كبيرة للشيخ عبد الباسط، لا سيما عند زيارته إلى حلب عام 1956، وتصف جريدة صوت العرب السورية، تفاصيل هذه الزيارة فتقول: "حلب الشهباء كانت في عيد خلال زيارة المقرئ الشهير عبد الباسط عبد الصمد.. وقد لبى الشيخ الدعوة وسافر من دمشق إلى حلب بالطائرة يوم الخميس 31/5/1956 وعندما وصل إلى المطار كانت جماهير غفيرة تنتظر لاستقباله، وقد ركب الشيخ عبد الباسط السيارة وسارت خلفه أكثر من مائة سيارة تحمل المستقبلين وهم من علية القوم تخترق شوارع حلب". وتواصل الجريدة السورية وصفها لاستقبال الشيخ فتقول: “لقد كان مقررًا أن يقرأ الشيخ عبد الباسط في الجامع الأموى الكبير في حلب قبل ظهر الجمعة، وما سرى النبأ حتى غص الجامع الكبير على رحبه بجموع المصلين بكثافة لم يعهدها تاريخ هذا الجامع حتى في عهد الأمير سيف الدولة الحمداني، فالحرم والصحن والأروقه والمنارات والأسطحة والأماكن المطلة على الجامع مكتظة بالخلائق رجالًا ونساء شيوخًا وشبابًا، وقد دخل الجامع أكثر من ألفي امرأة ليسمعن الشيخ عبد الباسط، ومنذ عامين أعربت سورية عن تقديرها لمواهب المقرئ الكبير فمنحته وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الثانية وفي الأسبوع الماضي تفضل دولة الأستاذ صبري العسلي رئيس مجلس الوزراء فمنح المقرئ الكبير وسام الإخلاص من الدرجة الأولى".



وربما نال الشيخ عبد الباسط عبد الصمد قدرًا من التكريم الرسمي لم ينله مقرئ في العالم، فقد حصل على الوسام الذهبي من ماليزيا، ووسام الاستحقاق من سوريا، ووسام الأرز من لبنان، وحصل على أوسمة من السنغال وباكستان والمغرب، واستقبله الرئيس الجزائري أحمد بن بيلا، والرئيس العراقي عبد السلام عارف، وملك المغرب الحسن الثاني، والرئيس المالديفي مأمون عبد القيوم. امتلك الشيخ عبد الباسط صوتا جميلا قويا، لكن جمال صوته لم يكن يظهر إلَّا في أداء الدرجات الحادة، أما الدرجات المتوسطة فكان صوته فيها عاديًّا، وكذلك طبقة القرار التي كان يمر عليها فقط للوصول إلى الجوابات، لذا تأثر أداء الشيخ كثيرًا بعد إصابته بمرض السكري، وأصبح محبوه يبحثون عن تسجيلاته القديمة، عندما كان صوته في عنفوانه.
ولا يمكن ونحن نتحدث عن صوت الشيخ عبد الباسط أن ننسى أنه صاحب النفس الأطول بين قراء القرآن الكريم، وأن هذه المزية كانت سببًا رئيسًا لانتشاره وشهرته مع صوته الصداح، وفي منتصف السبعينات وخلال عقد الثمانينات انتشر تسجيل قصار السور الشهير للشيخ عبد الباسط، انتشارًا لم يعهد لتسجيل في تاريخ دولة التلاوة، فكانت كل المحال التجارية وسائقي سيارات الأجرة يبدؤون يومهم بهذا التسجيل الشهير، وخاصة سور التكوير والطارق والغاشية والبلد والشمس والفاتحة. عُيَّن الشيخ عبد الباسط مقرئًا للسورة بمسجد الإمام الشافعي عام 1952، ثم عُيَّن قارئا للمسجد الحسيني عام 1984 خلفًا للشيخ محمود علي البنا، وناضل عبد الباسط لإنشاء نقابة قراء القرآن، حتى رأت النقابة النور عام 1983، وانتخب الشيخ أول نقيب للقراء.



ولد عبد الباسط محمد عبد الصمد عام 1927، ورحل في 30 نوفمبر عام 1988، مخلِّفًا ثروة هائلة من التسجيلات القرآنية، والمصحف المجود كاملًا، وكذلك المصحف المرتل بروايتي حفص عن عاصم، وورش عن نافع (المصحف المرتل والمجود: هُــنـــا ).. ويوم رحيله عم الحزن أرجاء العالم الإسلامي، وشارك عشرات الآلاف من محبيه في وداعه، كما شارك معظم السفراء العرب والمسلمين في جنازته ممثلين لحكام دولهم.

بـ قلم: هيثم أبوزيد (فريق عمل عباقرة التلاوة)


قائمة تشغيل، تضم بعض تلاوات الشيخ مِن مكتبتنا المُتواضعة.

عباقرة التلاوة .. دار التراث القرآني

ليست هناك تعليقات